{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (المائدة:105).
فاستدلّوا بهذه الآية على تجنّب المجتمعات، واللّوذ بالصّمت، وعدم الاهتمام بحدود الله وأمْره ونواهيه. وهذا فهم خاطئ قام بتصحيحه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وبيّن وجْه الفهم الصحيح للآية.
فعن أبي أمية الشعباني قال: أتيتُ أبا ثعلبة الخشني، فقلت له: كيف تصنع بهذه الآية؟ قال: أية آية؟ قلت: قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمَْ} (المائدة:105). قال: أما والله لقد سألتَ عنها خبيراً. سألت عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((بل ائتمِروا بالمعروف، وتناهَوْا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوىً متّبَعاً، ودنيا مُؤْثَرةً، وإعجابَ كلِّ ذي رأي برأيه، فعليك بخاصّة نفسك، ودعِ العوامّ. فإنّ من ورائكم أياماً الصابرُ فيهن مثلُ القابض على الجمر. للعامل فيهن مثلُ أجْر خمسين رجلاً يعملون كعملِكم)). قال عبد الله بن المبارك: وزاد غير عتبة: قيل: يا رسول الله. أجر خمسين رجلاً منا أو منهم؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: ((بل أجْر خمسين منكم))، رواه أبو داود، وابن ماجة، والترمذي وقال: "حديث حسن غريب صحيح".
وفهِم تأويلَها أبو بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه-: روى الإمام أحمد في "مسنده": قام أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- فحمِد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أيها الناس. إنكم تقرؤون هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} (المائدة:105)، وإنكم لتضعونها على غير موْضعها. وإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إنّ الناس إذا رأوا المُنكَر ولا يغيِّرونه، يوشِك الله -عز وجل- أن يَعُمّهم بعقابه)).
وفي رواية أخرى لأبي داود، والترمذي، والنسائي، بأسانيد صحيحة، قال أبو بكر الصديق: وإني سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إنّ الناس إذا رأوا الظالم فلَمْ يأخذوا على يديْه، أوشك أنْ يَعُمّهم الله بعقاب منه)).