وإنه من عوامل نجاح الدّعاة إلى الله: أن تتحقّق فيهم الأمور التالية:
الأول: عُمق الإيمان بما يَدْعون إليه، وكمالُ الاقتناع بما ينصحون به. وهذا الشرط واجب التّحقيق في كل داعٍ. فإن تستّر بستار زائف من الإيمان الظاهري الذي لم يتغلغل في عقله ويستقرّ في مشاعره وعواطفه، وإن تظاهر في صورة حَمل وديع، ولكنّ قلبه قلب ذئب مفترس، فقد نقله الشّرع من جماعة المؤمنين إلى زمرة المنافقين؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: ((آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذَب، وإذا وعَد أخلف، وإذا اؤتُمِن خان)).
فإنّ هؤلاء يخدعون أنفسهم، قال تعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} (البقرة:9).
الأمر الثاني: القيام الفعليّ بأداء الدّاعي ما يدعو إليه أو ينصح به.
إنّ قيام الدّعاة إلى الله بأداء ما افترض الله على عباده من عبادات، وما أمَر به من طاعات: معيار النّجاح في دعْوتهم واقتناع الناس بهم؛ ولذلك أمَر الله -سبحانه وتعالى- الرسول -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين معه بالاستقامة في أداء العبادات واجتناب المنهيّات، قال تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (هود:112).
وقال تعالى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} (الشورى:15).
ولقد كانت أهمّ عوامل انتشار الإسلام، واقتناع الناس به: أنهم وجدوا في أقوال الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأفعاله صورة صادقةً وواقعاً ملموساً لِما يدعو إليه.
وهذا ما بيّنه جيفر بن الجلَنْدى ملك عُمان عن سبب إسلامه بعد أن أرسل -صلى الله عليه وسلم- له برسالة مع عمرو بن العاص،