نام کتاب : مجلة البيان نویسنده : البرقوقي جلد : 1 صفحه : 8
كريهة فيصبح لذلك من نفسه في سجن وظلمة وفي كرب وغمة فمن له بمنقذ من ذلك الحبس والوحشة وكاشف لذلك الضيق والغصة ومن له بمن ينقل ذهنه إلى عالم مصور من اللذة والنعيم والصفاء والرخاء لا سنة فيه إلا العدل والإنصاف تثاب الفضيلة فيه أحسن الثواب ويحل بالرذيلة أنكل العقاب من للإنسان بذلك إلا القصصي والشاعر ألا ترى الطفل إذا فرغ من آفات النهار ومكارهه زحف في العشاء إلى أمه أو أبيه أو جديه يسألها حكاية أو قصة ثم يراها مهما حقرت مملوءة باللذائذ والرجل يأتيك يستعير منك رواية يقرأها أعني يستعير منك بضع ساعات يتحول أثناءها شاعراً يصور الأمور والأحوال كما ينبغي أن تكون لا كما هي كائنة أو ما ترى الرعاع والغوغاء يذهبون أفواجاً أفواجاً ليسمعوا من المحدثين أقاصيص عنترة وأبي زيد وكيف يذوبون رقة وصبابة عند أحاديث الحب والغرام وتغرورق عيونهم عند ذكر الأشجان وسماع المراثي وتحمى الدماء في عروقهم عند الحماسيات والمفاخر ألا ترى الموسيقى الذي هو شعر الأفئدة لا يصدح بمكان حتى يعود كعبة القصاد ومنهل الوراد فبربك أيها العود ماذا تقول وبماذا تحدث القلوب حتى تنصاع إليك هذا الانصياع وتسرع نحوك هذا الإسراع وبربك أيها الصوت الرخيم من أين جئت حتى كان لك من اللذة في الروح مالم يك لشيء غيرك فلا شيء في هذه الدنيا كلذتك إنما تلك لذة قدسية تصف لنا نعيم الجنة.
ولقد سمي أدباء العرب أمتع الشر وألذه المرقص وما عدوا في ذلك عين الصواب فإن الشعر الجميل ضرب من النغم لا يكتفي بأرقاص الأعضاء حتى يرقص أجزاء النفس بعد إذ هي جامدة فتنطلق انطلاقاً لا تعود قط بعده إلى حالها الأولى من الجمود وما من إنسان إلا وفي طبعه ميل إلى عالم الجمال واللذة أعني إلى عالم الشعر والقصص وهذا الميل يشتد في ذوي الأمزجة الحارة حتى يكون غليلاً فأما أن يروي من مناهل الرواية والنظم وإلا نزع بصاحبه إلى مواطن الإثم والجريمة أو طوح به في مهواة الجنون وهذه حقيقة لا نعلم كيف يقف أمامها الماديون القائلون بأن الشعر والأقاصيص ومحدثات الخيال آخذة في الاضمحلال مشفية على الانقراض: رأي فائل ومذهب باطل لا نرى في تفنيده أبلغ من الكلمة الآتية لفيكتور هوجو وبها نختم هذا المقال الذي قد تنفي عظاته ما يحدث طوله من الملال.
نام کتاب : مجلة البيان نویسنده : البرقوقي جلد : 1 صفحه : 8