المبحث الثاني: زحف الجيش، وتحركه، والوضع المكي
هذا وتحرك الجيش، وقد وصل إلى منطقة تابعة لثقيف، ناحية الطائف، وهذا يعني أنه انحرف ذات اليمين تاركاً مكة عن يساره بعض الوقت، ثم عاد واستوى على الطريق الرئيس متجهاً إلى مكة عبر وادي الظهران، ولما كانوا بمنطقة العرج، يقال بأن وحدة عسكرية تابعة لطلائع الجيش الإسلامي ألقت القبض على جاسوس كان يعمل لحساب قبيلة هوازن، ولدى استجوابه عُلِمَ أن هوازن كانت تُعدُّ لحربه. وقد أسلم ذلك الجاسوس، مع العلم بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد خاض لاحقاً معركة مع هوازن، وهي حنين [1].
ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو صائم، والناس صيام، حتى كانوا بالكديد، فأفطر، وأفطر الناس، ووصل الجيش الإسلامي إلى مرّ [1] عن أبي إسحاق أنه سمع البراء وسأله رجل من قيس: أفررتم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين؟ فقال: لكنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفر. كانت هوازن رماة، وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا، فأكببنا على الغنائم فاستُقبلنا بالسهام، ولقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته البيضاء، وإن أبا سفيان بن الحارث آخذ بزمامها، وهو يقول: أنا النبي لا كذب.
أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب قول الله تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} برقم 4317.
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح، 8/ 27: ((ولأبي داود بإسناد حسن من حديث سهل ابن الحنظلية أنهم ساروا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى حنين فأطنبوا السير، فجاء رجل فقال: إني انطلقت من بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا بهوازن عن بكرة أبيهم بظعنهم، ونعمهم، وشائهم قد اجتمعوا إلى حنين، فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: ((تلك غنيمة المسلمين غداً إن شاء الله تعالى)). وانظر: زاهية الدجاني، فتح مكة نصر مبين، ص56، 57.