responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي    جلد : 1  صفحه : 149
صاروا عارفين بقيمة الدليل، ولا يقبلون الباطل حين يلقى إليهم بالسهولة التي كانوا يقبلونه بها، بل يترددون ويتوقفون وقد يفتق ذلك التردد والتوقف عن المخرج إلى الحق.
وكم ألقموا المبطلين حجرًا وأغصوهم بِرِيقِهِمْ حينما يلقون إليهم بباطلهم فيقولون لهم: وأين الدليل؟ وما أثقلها من كلمة على نفوس ألفت التسليم وقادت الأمة بزمامه.
فهذا تطور في أحوال العامة يبدو غريبًا لمن لم يبل غرائب النفوس البشرية، ويدعو للاغتباط والسرور، وأخرى هي أدعى للسرور والاغتباط وهي أن هذه الطبقات العامية التي تواظب على سماع الدروس والمحاضرات قد أصبحت تفهم العربية الفصحى حق الفهم بتأثير الممارسة والمران فلا يلتوي عليها غرض من أغراضها ولا يغمض عليها معنى من معانيها.
ولقد بدأت دروسي ومحاضراتي في تلمسان بالعربية الفصحى وأَخَذْت نفسي بذلك أخذًا أصل فيه إلى درجة الاغراب أحيانًا، وكان لي من وراء ذلك الالتزام غرضان:
أحدُهُما إقامة الدليل للمتعلمين باللغات الأجنبية على أن الفصحى لا تعيا بحمل المعاني مهما تنوعت وعلت، وأنها تَبُذُّ اللغات في ميدان التعبير عن الحقائق والخيالات والخواطر والتصورات، وقد بلغت من هذا الغرض ما أريد.
والغرض الثاني أن أُحْدِث في نفوس العامة المحبين للعلم والدين أسفًا يقضّ مضاجعهم فَيَدُعُّهُم إلى تدارك ما فاتهم منها في أبنائهم.
وكنت أرى من عامة السامعين حسن إصغاء ينبئ باهتمام عميق فأتأوله على أنه تآثر بالآيات والأحاديث التي يكثر تردادها في الدرس منزلة على ما سيقت له- والتأثُّر بكلام الله وكلام رسوله طبيعي في المسلم- وكم كنت أخشى أن يَنْفَضُّوا من حولي يومًا لعدم فهم ما يسمعون لولا أنني آوٍ إلى ركن شديد من كلام الله ورسوله.
وما زلنا على هذا حتى فعل المران فعله وأصبحوا يفهمون ويذوقون ويخرجون وهم يتدارسون.
وقد رجعت إلى العامية في بعض الدروس فاستهجنوها ونبت عنها أذواقهم، وإني لا أدري لماذا لا نعجب للعامي يتعلّم الفرنسية بالسماع ونَعْجَب- بل لا نكاد نصدق- له أن يتعلّم العربية بالسماع، مع أن العربية أقرب إلى عاميته وفطرته وروحه.
وبلغني عن حاضري محاضرات الأخ العقبي في هذا النادي ما هو من هذا القبيل، ولقد سمعت بأذني من واحد منهم في طريقي إلى الحراش، وقد وقف بنا القطار في بعض مواقفه، فسمعنا رجلًا يسأل سؤالًا غير مشروع، فقال له صاحبنا بالعامية: "ما تقراش سورة الأنعام" إقرأ قوله تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا} الآية، وتلاها بلهجة صحيحة ثم تبيّن لي من حديثي معه أنه عامي وأنه واعٍ لما يسمع متأثر به.

نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي    جلد : 1  صفحه : 149
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست