responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي    جلد : 1  صفحه : 148
ثم انتقلت هذه النزعة إلى مجالس العلم فسيطرت عليها وفتكت بعقول المعلمين والمتعلمين، وكان من آثارها هذا الارتخاء الذي نشاهده في ملكاتنا العلمية وهذا الفتور المستحكم الذي استحال إلى انحطاط وتَدَلٍّ في العلم، وقد يستحيل- إذا تمادى- إلى موت وعدم.
فهذه إحدى جنايات القوم على العلم وإن لم يتعمدوها. ومن الحقائق أن العلم تأثر بالطرق وتعاليمها إلى حد بعيد، خصوصًا في هذا الوطن، ولو كان موضوع المحاضرة يسمح ببيان هذا التأثر وتحليله لبَيَّناه.
فالغرّة اللامعة في جبين هذه النهضة العلمية هي اقتران العلم بدليله، فأصبح علماؤنا يعملون بالدليل، ويدعون إلى الدليل ويطالبون بالدليل، ويحكمون الدليل ولو في أنفسهم.
ولقد هالت هذه النزعة القوية- نزعة الاستدلال- أُسراء المألوف وأحلاف الجمود فأكبروها ووسموها بأنها دعوى اجتهاد ودعوة إليه، واتّخذوا منها غميزة يَزِنون بها رجال الجمعية، وذريعة لصرف الأغرار من الطلبة عنها، وتحريك العامة عليها بما يهولون عليهم من أمر الاجتهاد ويعظمون من حرماته.
وما بالهم- عافاهم الله- لا يفرّقون بين الاستدلال والاجتهاد، ولو أنصفوا لعلموا أننا دعاة نظر لا دعاة اجتهاد، ندعو إلى العلم التطبيقي العملي ونأخذ به أنفسنا قبل كل أحد، وأن تطبيق الجزئيات على الكليات ليس من الاجتهاد في شيء، وإنما هو روح العلم ولا علم بدونه.
ثم ما لهم- سامحهم الله- يجمعون بين المتناقضات فيحجرون الاجتهاد على الأحياء والأموات إلا على طائفة معيّنة كانت في زمن معين، وقد مضت ومضى زمانها وجفّ القلم بأقوالها، ويبنون على هذا أنه لم يبق من سبيل في علم الدين إلا التقليد، قلنا ولمن؟ قالوا لأولئك المجتهدين، قلنا: سلّمنا فهلمّ بنا إلى كتبهم وآرائهم المتصلة الأسانيد إليهم، ولكنهم يتناقضون فيقلدون حتى في أدقّ دقائق العبادات العملية التي لا تؤخذ إلا من نص صريح من آية محكمة أو حديث صحيح- المهدي الوزّاني وابن الحاج- حتى فيما لا نسبة فيه للإمام ولا عزو لأحد من أهل التخريج.
ومن غرائب تأثير الحق في نفوس المستعدين له أن هذه النزعة الاستدلالية قد تجاوزت آفاق الطلبة المزاولين للعلم إلى الطبقات التي تليهم، فأصبحت نفوسهم نزاعة إلى طلب الدليل في أمور دينهم، وأصبحت أبصارهم تخشع وأعناقهم تخضع إذا أقيم لهم دليل من آية قرآنية أو حديث نبوي ممن يعتقدون أمانته وصدقه، وإذا كان قصور أفهامهم قد قعد بهم عن فهم ما بين الدليل والحكم من صلة، فقد كان من ثمرات هذه النزعة الجديدة فيهم أنهم

نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي    جلد : 1  صفحه : 148
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست