responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي    جلد : 1  صفحه : 151
أيها الإخوة الكرام،
إن خروج قيادة الأمة الإسلامية من أيدي العلماء هو أكبر الأسباب فيما وصلت إليه من انحطاط، وهو أمر قديم العهد، ونحن نعلم علم القطع أن علماءنا في القرون الوسطى كانوا وليس بأيديهم من أمر الأمة شيء، وأهم جهات الاتصال بينهم وبين الأمة وهي التدريس والإمامة والفتوى والقضاء؛ كانت تعطى لهم من أيدي الأمراء المستبدّين تفضلًا لا استحقاقًا، فإذا خطب الخطيب منهم فيجوز أن ينسى شيئًا أو أشياء مما يهم المسلمين ولكنه لا ينسى- أبدًا- الدعاء لأمير نصبه، أو الترخم على واقف يعيش من فضل جرايته، ولا زالت ألفاظهم في الدعاء والترحّم جاربة في الخطب الدينية إلى الآن بالشرق.
أما مؤلفاتهم- رحمهم الله ورضي عنهم- التي خلفوها لنا في الفقه، فقد كتبوها وهم في ديارهم وخلواتهم، ولم يُبْنَ الكثير منها على مراعاة الأحوال العامة، وقد يبنون الأحكام في المعاملات على ما تقتضيه أنظارهم الخاصة، ويولدون من كلام من قبلهم اقتضاءات ووجوهًا من التأويل، فإذا خرجوا إلى السوق وجدوا اليد المصرفة لأزمة الأمة غير يدهم، والقانون الذي تسأس به الأمة تابعًا لأهواء الأمراء لا لما سَطَّروه وأتعبوا أنفسهم في تدوينه، ووجدوا سيف الاستبداد يأمر وينهى، ووجدوا أنفسهم في غمار العامة مسيرين بتلك اليد وبتلك الأهواء وبذلك السيف. ولذلك يرى الباحثون المحققون أن هذه التفريعات التي امتلأت بها كتب الفتوى لا ينطبق الكثير منها على مصالح الناس، لأنها لم تبنَ على رعاية تلك المصالح التي هي أساس حكمة التشريع، ولا سبب لذلك إلّا خروج القيادة الفعلية من أيدي العلماء. وكان من آثار ذلك أن جهل العلماء أنفسهم وأضاعوا مكانتهم الحقيقية، وكثيرًا ما اتخذهم الأمراء آلات لتسخير العامة وتسكين ثائرها.
ثم انتقلت قيادة الأمة من أيدي الأمراء إلى أيدي الرؤساء الروحيين، وأصبح العلماء تبعًا لهؤلاء كما كانوا تبعًا لأولئك، ولا ذنب للعامّة في هذا كله وإنما الذنب ذنب العلماء الذين غفلوا أولًا وسكتوا آخرًا حتى خرج الأمر من أيديهم، وقد أدركنا من بقايا هذا السكوت المخزي أن شيخ الطريق الجاهل الأمِّي يجلس في مجالس الوعظ والتذكير، فيذكر مريديه بغير ما أنزل الله ويُجلِسُ بجنبه عالمًا مأجورًا على السكوت ليتّخذ من سكوته حجة وعونًا على إضلال العامة، ولعمري إن هذه شر نهاية وصل إليها المجتمع الإسلامي في كثير من أوطانه.

أيها الإخوة الكرام،
وما لي لا أذكركم بأوضح فارق جوهري بين حالتينا بالأمس واليوم وأجل ما استطعنا الوصول إليه في نهضتنا العلمية الحاضرة، وهو تكوين زعامة علمية حقيقية بهذا الوطن في أقرب مدة، وهي غاية قصرت عنها الأقطار الإسلامية الأخرى، فلم نعهد في الكثير منها إقرار الزعامة العلمية في نصاب. ولا زلنا نراها على كَثْرَةِ المتأهلين لها متغلغلة الركاب.

نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي    جلد : 1  صفحه : 151
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست