نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي جلد : 1 صفحه : 202
ويتضح من هذا كله أن كل ما يسمى من أحوال الأمم تطورًا هو في الحقيقة عبارة عن مداورتها بين النقص والكمال صعودًا وهبوطًا.
أيها الإخوة:
نحن نريد من الكمال هنا الكمال المكتسب الذي في مكنة الانسان الوصول إليه بالتعمل والتهمم والمزاولة، ولسنا نعي الكمال الخلقي التكويني الذي لا يد للمخلوق فيه، ذلك الكمال الذي يتفاوت فيه العاملون حتى يكونوا كما قال الشاعر:
وَلَمْ أَرَ أَمْثَالَ الرِّجَالِ تَفَاوُتًا … إِلَى الْمَجْدِ حَتَّى عُدَّ أَلْفٌ بِوَاحِدِ
وإن سنة الله في الأمم أنها تتقاعس عن الفضائل وتتناعس عن الكسب وتنغمس في النقائص فتتدهور إلى الحد الذي تقتضيه قوة تلك النقائص وأسبابها. فإذا أراد الله بها خيرًا بصّرها بتلك النقائص وأشعرها بمعنى الكمال، وأيقظ في نفوسها دواعيه فيأخذ أفرادها بأسباب الكمال متعاونين أو متنافسين حتى يصلوا إلى أقصى مراتبه.
فإذا شعروا ولم يعملوا لبلوغ الكمال مع القدرة على العمل فقد باءوا بالعيب الفاضح وكانوا هم المعنيين بقول المتنبي:
وَلَم أرَ فِي عُيُوبِ النَّاسِ شَيْئًا … كَنَقْصِ الْقَادِرِينَ عَلَى التَّمَامِ
والكمالات- أيها الإخوة- كلما زادت في الأفراد كانت مقلدًا في قوة حيوية الأمم، كذلك النقائص هي نقص في حيوية الأمم، وقد تنتهي بالأمة إلى الفناء والعدم.
ومن الأمثلة الصريحة التي لا تحتاج إلى ترتيب الأقيسة في الاستدلال عليها، نقيصة الأميّة. فإنها لا تفشو في أمة وتشيع بين أفرادها إلا فتكت بها وألحقتها بأخس أنواع الحيوانات، ومكنت فيها للجهل والسقوط والذلة والمهانة والاستعباد.
الأميّة- بمعناها اللغوي العرفي- وهو الجهل بالقراءة والكتابة، مرض فتّاك، ونقيصة مجتاحة، ورذيلة فاضحة، وشلل وزمانة في جسم الأمّة التي تُبتلى بها. فإذا كنا نعرف من شؤون الأفراد أن من يصاب منهم بشلل تتعطل منه وظيفة العضو المصاب، كذلك يجب أن نعرف من شؤون الأمم هذه الآثار السيئة التي تنشأ عن الأمّية، وهي تعطيل المواهب والقوى مع الفرق العظيم بين تعطيل وظائف أجزاء الجسم وبين تعطيل أجزاء الأمّة.
لا تفشو الأميّة في أمّة إلا أفقدتها معظم خصائص الحياة.
وأكبر جناية تجنيها الأميّة على الأمم هي القضاء على التفكير. والتفكير هو المعيار الذي توزن به القيم العقلية في الأمّة سموًّا وإسفافًا. ومحال أن يسمو تفكير الأمي لأن فكره في
نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي جلد : 1 صفحه : 202