responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي    جلد : 1  صفحه : 325
باذخ لو اعتصموا به لوقاهم من التفرق فوقى حضارتهم من الانهيار. وهو القرآن ودينه الإسلام- نعمة خُصّوا بها دون الأمم-.
كانت تعصف بهم من عواطف التفرق وتثور فيهم من طبائع الملك وغرائز المنافسة فيه ما أقله كاف في تدمير الممالك وتتبير الحضارات، فيرجعون إلى القرآن ويعتصمون بالإسلام فيجدون فيهما الْوَزَر الواقي، إلى أن داخلتهم الأعراق المدسوسة، ومازجتهم الجراثيم الغريبة وابتلوا بلقاح سوء مما أفسد من قبلهم وكان من تأثير ذلك أنهم انتقلوا من التفرق الذي يعصم منه الدين إلى التفرق في الدين نفسه وفي القرآن نفسه. ثم زهدوا في الدين فلم تبق إلا الصور العملية بلا روح. وزهدوا في القرآن إلا الألفاظ المثلوة بلا نذير، حتى كانت عاقبة أمرها خسرًا، وذاقت السوء بما صدّت عن سبيل الله.
إن أسلافنا قاموا بما شرط عليهم القرآن في قوله: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ}. فتحقق معهم وعد الله في القرآن: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا}. فكانوا خلفاء الأرض يقيمون فيها الحق والعدل وينشرون فيها الخير والرحمة ويطهرونها من الشرك والوثنية ويحققون حكمة الله بإقامة سننه الكونية والشرعية، لا يراهم الله إلا حيث يرضيه أن يراهم. لأن مما أفادهم القرآن استجلاء العبر من قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ}. وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ}.
وكان هؤلاء السلف يعلمون لماذا أُنزل القرآن؟ ويعلمون أنه كتاب الدهر ودستور الحياة، وحجة الله الباقية إلى قيام الساعة وأنه واف كل الوفاء بإسعاد البشر في الحياتين، وأن عدم فهمه وعدم العمل به وعدم تحكيمه كل ذلك تعطيل له. ففهموه أولًا وحكموه في أهوائهم ونزعاتهم فاستأصل باطلها ولطف من نزواتها، ورجعوا إليه في فهم الحقائق الغامضة في الحياة والدقائق المشكلة في الكون والأخلاق التي يجب أن يتعايش بها الناس، فرجعوا إلى معصوم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وقد انضوت تحت لوائه أمم مختلفة الأهواء والمنازع والفهوم، فوحّد أهواءها وقارب بين منازعها وفهومها ووفّق بين مصالحها، وهذه النقطة التي عجزت عنها التربية التعليمية والقوانين الوضعية إلى يومنا هذا.

نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي    جلد : 1  صفحه : 325
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست