نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي جلد : 1 صفحه : 324
إننا نعد من إعجاز القرآن في البلاغة ما هو شائع في جميع آياته من الدقة المتناهية في تحديد المعاني وتصوير الحقائق وتنزيل الألفاظ في مراتبها وتلوين الأساليب والتزاوج بين الصفتين أو الصفات حتى كأنهما صفة واحدة كالقوي الأمين والغني الحميد، والحفيظ العليم، والعليم الحكيم. فليقصر الواصفون وليدعوا القرآن يصف نفسه بتلك الدقة العجيبة وذلك التصوير الرائع. وليسلك الدعاة سبيلهم إلى نفوس الناس بهذه الأوصاف الرائعة من هذه الآيات الجامعة، فإن ذلك أدعى إلى التأثير والتأثر وأبلغ في باب التشويق من كل تبويب في الكلام وتحبير وتزويق. أين يقع كل ما وصفه به البشر من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}، وما في هذه الآية من جمع أصول الإصلاح التي جاء بها القرآن مرتبة في الذكر ترتيبها في الوجود.
وأين يقع كل ذلك من قوله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}؟ اللهم لا ..
كانت الأمّة العربية قبل الإسلام- ومثلها جميع الأمم- في جاهلية جهلاء .. فهي من الوجهة الفكرية في أحط الدرجات، ومن الوجهة الاجتماعية في أخس الحالات. وكانت لا تملك من أسباب النهضة إلا لسانًا قويمًا وفطرة غير معقدة. ولكن ماذا يغني اللسان الخصيب إذا كان يصدر عن فكر جديب؟ فجاءها الله بالقرآن وفيه كل ما كان الفكر العربي يتطلبه من العقائد النقية والحقائق العلمية، وكل ما كان اللسان العربي يصبو إليه من آفاق وميادين. فنهض العرب به وبلسانهم الذي نزل به وأنهضوا الأمم معهم، تلك النهضة التي زلزلت العالم الروحي العقلي فأذهبت مخارقه وثبتت حقائقه، وزلزلت العالم المادي فذهبت بطغيانه وشروره ورذائله وأقرّته على التشريع العادل والمعاملة الرحيمة. ثم لاءمت بين الروح والمادة بمعاني التوسط والاعتدال البادية في عقائد الإسلام وآدابه وأحكامه. وجاءت بالمعجزة الكونية الكبرى في تحقيق الحلم الإنساني بتلك الملاءمة وهي أمنية عجزت عن تحقيقها كل تعاليم الأرض، ولم تف بها تعاليم السماء قبل الإسلام لحكمة وأمر قد قدر.
وانساح الإسلام في الأرض يزجي جيوش الأخلاق قبل جيوش الخلائق، وبسط ظله على الأقطار الممتازة بخصوبة الأرض، وعلى الأمم الممتازة بخصوبة الفكر وزرع تعاليمه في عقول مستعدة، وأفاض عليها من روحه: إن الغاية في هذا الوجود سيادة في الحق وسيادة بالحق وأن لا سبيل إليهما إلا بالعلم والعمل وأن عمران الأرض متوقف على عمران العقول والنفوس. وبنى بذلك تلك الحضارة التي لا ينكرها إلا مكابر يماري في الشمس وضحاها.
إن الآفة الكبرى التي قضت على الحضارات وجعلت عاليها سافلها، هي التفرق بين بناتها والمستحفظين عليها، وقد كان للمسلمين- من بين الأمم القديمة والحديثة- معتصم
نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي جلد : 1 صفحه : 324