نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي جلد : 1 صفحه : 336
السيارات الضخمة يتكوّن منها منظر ساحر خلّاب ووصلوا سطيف على الثالثة بعد الزوال، فتلقّاهم إخوانهم السطيفيون على بضعة أميال من المدينة بباقات الزهر وطيب التحية، واجتمع الجميع على مائدة الشاي الحافلة.
ثم استقل قسم من وفد سطيف سيارة ذات خمسين مقعدًا، وخرج الجميع آمّين قسنطينة، وقد زاد الموكب كمالًا وجمالًا.
خرج أعضاء لجنة الاحتفال من قسنطينة في بضع سيارات للقاء موكب الوفود على خمسة وعشرين ميلًا إبلاغًا في المبرّة، فتهلّلت الأسارير عند اللقاء وطفحت الوجوه بالبشر وانطلقت الألسنة بالتحيات المباركات وتصافحت القلوب قبل أن تتصافح الأيدي وامتزج شماس الأصيل بشعاع الوجوه المستبشرة، فكان منظرًا سحر أخاذًا لا يستقل بوصفه إلا شاعر، ولست بشاعر. ثم انتظمت السيارات موكبًا بديعًا وزحفت إلى قسنطينة فدخلتها بعد المغرب وليس وصف مشهد دخول هذا الموكب إلى قسنطينة وانغماس الضيوف والمضيفين في غمرة من نشوة الفرح البالغ إلى حدّ الذهول بالذي يسعه بياني وإن وسعه إدراكي وعياني.
اجتمعت وفود الغرب بوفود الشرق في مدرسة التربية والتعليم التي أعدّت مكاتبها وطبقاتها وقاعاتها لهم أحسن إعداد. وبعد أداء فريضة العشاء انصرفوا إلى موائد المضيفين على تقسيم عجيب ومزج غريب يرجع الفضل والشكر فيه إلى لجنة الاحتفال.
وقد تبارى كرام القسنطينيين- أحسن الله إليهم- في إكرام الوافدين وهزتهم الأريحية هزّة بعد العهد بمثلها، وتجلّت الضيافة العربية الباذخة في أجلى صورها، يزينها نظام دقيق دفع هجنة الفوضى ووصمة الاختلال التي تصاحب الاحتشاد والكثرة. فلم يتخلف مضيف عن ميعاد، ولم تختل لضيف وجبة، ولم يفترق للمجتمعين في منزل شمل. وتضاعفت الوفود صباح الأحد، فتضاعفت الحفاوة والبشر وتجلّى الاستعداد الهائل واتسعت الصدور فاتسعت المنازل وتنوّعت صنوف البر حتى وسعت تلك الوفود الزاخرة سكنًا مرفهًا وكلًا مترفًا في أيام الاحتفال ولياليها. وارتفعت الكلف بين كل نزيل وأبي مثواه حتى لتحسبهم إِخوة رحم أو عشراء دهر.
ثم تلطفوا فخصّوا الوفود التي لم تسبق لها زيارة قسنطينة، بنوع من التكريم وهو الطواف بهم في أوقات الفراغ على معالمها وقناطرها العجيبة وواديها المدهش ومناظرها الساحرة وغمروهم بفيض من الرقة واللطف أسرت ألبابهم وأنطقتهم ببليغ الشكر فانقلبوا إلى أهلهم يحملون الإعجاب والإكبار ويضمرون المحبة الصادقة والولاء المحض.
هذه هي الاجتماعات التي كنا ننشدها فلا نجدها، هذه الاجتماعات التي تثمر التعرّف الحقيقي وتجمع أفراد الأمّة على الدين والخير والعلم. وقد زادها إخواننا القسنطينيون تمكينًا وشرعوا من آداب الضيافة مناهج سيحتذيها المترسمون ويذكرونها لهم بالجميل.
نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي جلد : 1 صفحه : 336