نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي جلد : 1 صفحه : 361
إن أحدًا من المسلمين لا يجهل يوم بدر ولا يجهل- وإن كان عاميًّا- أثره في ظهور التوحيد على الشرك، ولكن قليلًا منهم من يعرف أن اسمه يوم كذا وأن نسبته من الشهر كذا، وقد غربت شمس يوم بدر منذ مئات الآلاف من الأيام وجرّ عليه الفلك أذيال عشرات الآلاف من شركائه في الاسم، فلم يعف له رسمًا ولم يطمس له أثرًا. ومات معناه الزمني المحدود ولكن معناه التاريخي النفسي لم يمت بل هو باق ما بقي الإسلام، طويل العمر ما طال، واسع المعنى ما اتسع.
ولقد علّمتنا لغة العرب فنًّا في مصاص الأشياء فقهنا منه أن من النساء عقائل، وأن في الأموال كرائم، وأن في الجواهر فرائد، وأن في النجوم دراري، وأن في الشعر عيونًا، وأن في الذخائر اعلاقًا إلى آخر ما يجري على هذا النسق، حتى إذا وصلنا إلى الأيام، وهذا أشد- من كل شيء- ارتباطًا بشؤوننا، لم نجد لمصاصها في اللغة إلا أوصافًا يتعاورها اشتراك الموصوفات، وبتجاذبها اختلاف الاعتبارات، ثم يذيلها شيوع الاتصاف وتبذل الاستعمال حتى تقصر عن التأدية، خصوصًا حين يفيض الوصف التاريخي على الوصف اللغوي، وإن من معجزات القرآن تسميته ليوم بدر بيوم الفرقان.
ولكن يسلينا أن ما قصرت فيه اللغة فلم تأت فيه بوصف يليق بجمالها وجلال هذه الأيام، قد وفى به التاريخ فلم نحفظ من أيام الأمم الكثيرة إلا أيامًا قليلة فكان ذلك منه تعبيرًا فصيحًا على أن هذه الأيام هي الخوالد من بين الأيام البائدة. وهي الغرر في الكثرة البهيمة، وهي المشهودات وغيرها غفل. وكان ذلك منه وضعًا تاريخيًا يخصص الأوضاع اللغوية. فإذا قلنا هذا يوم خالد ويوم أغرّ ويوم مشهود اطمأنت النفوس إلى تمام التأدية بمراعاة الوضعين التاريخي واللغوي.
أيها الإخوان:
إن يومكم الذي نتحدث عنه هو اليوم الأغرّ المحجل في تاريخ الجزائر الحديث ولا أبعد إذا قلت إنه اليوم الأغرّ في قرون من تاريخ الإسلام.
هذا هو اليوم الذي يجب أن نؤرّخ له في الطور الجديد من أطوار نهضتنا العلمية الدينية، ونؤرّخ به لمبدَإِ ازدهارها واثمارها، ونموّها وإِبدارها.
هذا هو اليوم الذي التفَّت فيه الأمّة حول دينها ولغتها فأثبتت أنها أمّة مسلمة عربية يأبى لها دينها أن تلين فيه للعاجم، وتأبى لها عربيتها أن تدين فيها للأعاجم.
هذا هو اليوم الذي تعلن فيه هذه الأمّة انابتها إلى ربها، وتكفيرها عن ذنبها ورجوعها إلى الله رجوع عبد أوبقته جرائره، وافتضحت سرائره، وانقطعت أواصره، وعزّ مغيثه وناصره، وظن أن لا ملجأ من الله إلا إليه، فرجع على الطريق التي منها هرب. فإن هروب هذه الأمة من الله هو تفلتها من كتابه وبعدها عن هدايته، والتماسها الوصول إليه على غير
نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي جلد : 1 صفحه : 361