responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي    جلد : 1  صفحه : 362
طريقه، فضلّت وتاهت قرونًا وها هي ذي تفيء إلى الله على طريق كتابه وسنّة محمّد وأصحابه وعسى هادي الحائرين أن يعود عليها بعوائد برّه وإحسانه.
هذا هو اليوم الذي يختم فيه إمام سلفي تفسير كتاب الله تفسيرًا سلفيًا ليرجع المسلمون إلى فهمه فهمًا سلفيًا، في وقت طغت فيه المادة على الروح ولعب فيه الهوى بالفكر، وهفت فيه العاطفة بالعقل، ودخلت فيه على المسلم دخائل الزيغ في عقائده وأخلاقه وأفكاره، وفي أمّة تقطعت صلاتها بالسلف وضعف تقديرها للقرآن، فأصبح ملهاة آذان ومشغلة لسان، وأصبح حفاظها يقْرأُونَه للتبرّك أو يتجرون به في المقابر، وعوامها ينزلونه منزلة البصل والكرّاث فيستشفون بحروفه من أمراض سببتها الحرارة أو جلبتها البرودة، وعلماؤها يدرسونه بلغة المصطلحات العرفية، ويتناولونه بأذهان حشيت بالأفكار الطائفية، والتعصبات المذهبية، والمحامل الجدلية، والتوجيهات اللفظية، وبكتب مُلئت بالإسرائيليات المصنوعة والآثار الموضوعة والنظريات، والطلبة- وهم صرعى هذه الفتن- يتلقونه بألسنة جافت البيان العربي وصرفتها العجمة في منهاج غير منهاج العرب، ففسد الذوق واختلّ التصور- وبأفكار غطّى عليها الجمود وسدّ عليها منافذ التفكير- وبنفوس ركبها الملل والسأم، فرضيت بسماع ما لا يفهم وتلقّي ما لا يعقل، وهان الزمان في حسابها فأصبحت تنفق منه جزافًا، واختلّ تقدير الأشياء عندها فأصبح كل مقروء علمًا وكل قارئ عالمًا.
وأشهد، لقد كنت ضيفًا بتونس منذ سبع عشرة سنة، فقيل لي عن عالم من مشائخ جامع الزيتونة ومن أبعدهم صيتًا في عالم التدريس: إنه يقرئ التفسير. فشهدت يومً! درسه لِأُكوِّن فكرة عن دراسة التفسير في ذلك المعهد الجليل. وكنت معنيًّا بهذا البحث وجلست إليه أكثر من نصف ساعة، فوالذي نفسي بيده ما سمعت منه كلمة واحدة من الآية التي هي موضوع الدرس ولا لمحت إمارة ولا إشارة تدُلّ على أن الدرس في التفسير. وما كان كل الذي سمعت إلا حكاية لجدل عنيف وتمثيلًا لمعركة لفظية مستعرة بين السيد الجرجاني وعبد الحكيم حول عبارة لعلها لمفسّر من المفسّرين الاصطلاحيين، ثم انقضت الحصة وقام الطلبة المساكين يتعثرون، تبدو عليهم سيماء التعب والملل والخيبة، وقمت أنا مستيقنًا أن هذه الطريقة في التفسير هي أكبر الحجب التي حجبت المسلمين عن فهم كتاب الله ثم زهدتهم فيه وصدتهم عن موارده.

أيها الإخوان:
إن الأمّة الإسلامية التي يقرأ الناس أخبارها في التاريخ فيقرأون المدهش المعجب، ويرى الناس آثارها في العلم والتشريع والأدب والحكمة فيرون الطراز العالي البارع، فيستوي المحب والمبغض في الاعتراف بأن أمّة هذه أخبارها وهذه آثارها لهي الأمّة حق الأمة، إن تلك الأمّة ما كانت أمّة بذلك المعنى وتلك الأوصاف إلا بالقرآن.

نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي    جلد : 1  صفحه : 362
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست