نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي جلد : 1 صفحه : 363
فالقرآن هو الذي ربّاها وأدّبها وزكّى منها النفوس، وصفّى القرائح، وأذكى الفطن، وجلا المواهب، وأرهف العزائم، وهذّب الأفكار، وأعلى الهمم، واستفزّ الشواعر، واستثار القوى، وصقل الملكات، وقوّى الإرادات، ومكّن للخير في النفوس، وغرس الإيمان في الأفئدة، وملأ القلوب بالرحمة، وحفز الأيدي للعمل النافع والأرجل للسعي المثمر، ثم ساق هذه القوى على ما في الأرض من شر وباطل وفساد فطهّرها منه تطهيرًا وعمرها بالخير والحق والصلاح تعميرًا.
أيها الإخوان:
قارنوا بين هذه الأمّة الإسلامية المطوية في بطن الأرض وفي بطون الكتب، وبين هذه الأمّة الإسلامية التي تدب على وجه الأرض تجدوا الفرق بعيدًا جدًا، ووجوه الشبه مفقودة البتة مع وجود الاشتراك في الاسم والنسبة. ثم التمسوا السبب تجدوه قريبًا منكم، وما هو إلا هذا القرآن أقامه الأولون وجمعوا عليه قلوبهم وراضوا نفوسهم على أخلاقه، فعلمها الإيمان والأمان والإحسان، واتخذه الآخرون مهجورًا فحقت عليهم كلمة الله في أمثالهم. فمن لي بمن يرسلها في مسلمي الدعوى والعصبية صيحة داوية: يا أهل القرآن لستم على شيء حتى تقيموا القرآن؟
أيها الإخوان:
إن هذه البسيطة لم تشهد منذ دحاها الله صلاحًا عامًا وسعادة شاملة كالذي جاءها به القرآن يوم أنزله الله على قلب نبيّه محمد - صلى الله عليه وسلم - فأنذر به العالمين ونشره ورثته الأمناء من بعده نقي الجوهر ناصع الحجة.
وإن هذا العالم الإنساني لم يشهد منذ برأه الله على ظهرها إفسادًا عامًا وشرًّا مستحكمًا وطاعونًا أخلاقيًا جارمًا إلا مرتين، على كثرة ما شهد من الطواعين الجسمانية.
أما إحداهما فكانت قبل الإسلام يوم كان العالم الإنساني كله فريسة للأثرة والاستعباد والاستبداد والفساد والإفساد، ويوم كان بحرًا متلاطم الأمواج بالرذائل، ويوم كان العقل عبدًا للهوى والفكر عبدًا للوهم، والحقيقة أمة للخرافة والفطرة رهينة الاعتلال والاختلال، ويوم كان هذا العالم كله خاضعًا لشهوات مضطرمة وحيوانية عارمة ووثنية متغلغلة.
ولكن الله- جلت قدرته- تداركه، وبه رمق، بالإسلام دين السلام وكتابه القرآن كتاب العدل والإحسان، وبرسوله الأمين يحمل منه للعالَم المثخن الدواء الشافي، ويمسح على مواقع الألم منه بالكف الكافي. فما هي إلا فترة حتى أصبح العالم يمرح في السعادة ويسبح في النعيم وينعم بالأخوّة والتسامح ويتقلب في أعطاف العدل.
نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي جلد : 1 صفحه : 363