وعنها كذلك قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في بعض صلاته: ((اللهم حاسبني حسابًا يسيرًا، فلما انصرفَ، قلت: يا رسول الله، ما الحساب اليسيرُ؟ قال: أن ينظرَ في كتابه، فيتجاوز له عنه، من نوقش الحساب يا عائشة يومئذ هلك)) رواه الإمام أحمد بإسناده، عن عبد الله بن الزبير، عن عائشة، وهو صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجه.
فهذا هو الحساب اليسير الذي يلقاه من يؤتَى كتابه بيمينه، الذي يؤتى كتابه بيمينه ثم ينجو وينقلب إلى أهله مسرورًا من الناجين الذين سبقوه إلى الجنة، وهو تعبير يفيد تجمع المتوافقين على الإيمان والصلاح من أهل الجنة، كل من أحب من أهله وصحبه. ويصور القرآن رجعة الناجي من الحساب إلى مجموعته المتآلفة بعد الموقف العصيب، يصور رجعته متهللًا فرحًا مسرورًا بالنجاة واللقاء في الجنان، وهو وضع يقابل وضع العذاب الهالك المأخوذ بعمله السيئ الذي يؤتى كتابه وهو كاره، قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِه * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا} يعني ينادي على الهلاك أن يأخذه، والإنسان حينما يكون في وضع ويتمنى الهلاك لنفسه، فلا شك أن الموضع الذي هو فيه أشد من الهلاك نفسه، وهذا تصوير لشدة العذاب الذي يلاقيه.
يقول سيد قطب في (ظلال القرآن): والذي ألفناه في تعبيرات القرآن من قبل هو كتاب اليمين وكتاب الشمال، فهذه صورة جديدة صورة إعطاء الكتاب من وراء الظهر، وليس يمتنع أن يكون الذي يعطى كتابه بشماله يُعطاه كذلك من وراء ظهره، فهو هيئة الكاره والمكره الخزيان من المواجهة.
يعني: لا تعارض بين قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِه} وبين قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ} (الحاقة: 25) يعني: لا تعارض بين الصورتين،