فهو يأخذ الكتاب بالشمال، ويضعه وراء ظهره حتى لا يطلع عليه أحد؛ لأنه يعلم أن هذا الكتاب مليء بالمعاصي، فهو لا يريد أن يطلع الناسُ على ما عمله من أشياءَ تغضب اللهَ -سبحانه وتعالى- وهو لذلك يأخذ الكتاب بشماله، ويضع شماله وراء ظهره؛ إذًا لا تنافي بين الصورتين.
يقول سيد قطب: ونحن لا ندري حقيقة الكتاب ولا كيفية إتيانه باليمين أو بالشمال أو من راء الظهر، إنما تخلص لنا حقيقة النجاة من وراء التعبير الأول الذي صورته الآية الكريمة، التي تحدثت عن ذلك في قول الله -سبحانه وتعالى-: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِه * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا}، وكذلك الآية الثانية تعبر عن حقيقة الهلاك الذي بينه الله -سبحانه وتعالى- بقوله: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِه * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا} هاتان الحقيقتان المفروض أن يستيقنهما الإنسان، ويعتبر بهما، ويعتبر أيضًا بما وراء ذلك من ألوان العذاب التي ذكرها الله -سبحانه وتعالى- وكذلك ألوان النعيم التي ذكرها الله -سبحانه وتعالى- في كتابه.
هذا الإنسان الذي قطع أو قضى حياته في الأرض كدحًا، وقطع طريقه إلى ربه كدحًا، لكن في المعصية والإثم والضلال، هو تعب وعمل، لكن عمله كان معصية، أما الإنسان الذي عمل في الطاعة، ومن أجل رضا ربه لا شك أنه سوف يلقَى مصيرًا غير مصير الآخر، الأول تعب، لكنه استراح، تعب في الطاعة، لكنه استراح في الآخرة. لكن الإنسان الآخر تعب في المعاصي، ووجد تعبًا أشد من التعب الذي كان يتعبه في الدنيا، هذا الإنسان العاصي الذي قضى حياته في المعصية والإثم والضلال، انظر لتصوير القرآن له بما يعانيه، هذا الإنسان يدعو الهلاك ويناديه؛ لينقذه مما هو مقدم عليه من الشقاء، يُشوَى في