ومن ثم اعتدوا على طريقتهم الملتوية، راحوا يحوطون على الحيتان في يوم السبت، ويقطعونها عن البحر بحاجز ولا يصيدونها، حتى إذا انقضى اليوم تقدموا وانتشلوا السمك المحجوز، فقال الله تعالى لهم: {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ}.
تعمد التحريف في كتاب الله:
قال تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (البقرة: 75)، تنبه الآية الكريمة المؤمنين الذين يطمعون في هداية بني إسرائيل، ويحاولون أن يبثوا في قلوبهم الإيمان، وأن يفيضوا عليها النور، تنبه الآية المؤمنين بسؤال يوحي باليأس من المحاولة وبالقنوط من الطمع.
والفريق المشار إليه هنا هم أعلم يهود، وأعرفهم بالحقيقة المنزلة عليهم في كتابهم، هؤلاء هم الأحبار والربانيون، الذين يسمعون كلام الله المنزل على نبيهم موسى -عليه السلام- في التوراة، ثم يحرفونه عن مواضعه، ويؤولونه التأويلات البعيدة التي تخرج به عن دائرته، لا عن جهل بحقيقة مواضعه ولكن عن تعمد للتحريف، وعِلْم بهذا التحريف، يدفعهم الهوى، وتقودهم المصلحة، ويحدوهم الغرض المريض، فمن باب أولى ينحرفون عن الحق، الذي جاء به سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وقد انحرفوا عن الحق الذي جاء به نبيهم موسى -عليه السلام.
الرياء والنفاق والخداع والمراوغة:
قال تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} (البقرة: 14)، لقد كان بعض اليهود إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا، أي: آمنا بأن سيدنا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- مرسَل بحكم ما عندهم في التوراة مِن البشارة