والصوم يُعلِّم الأمانة ومراقبة الله تعالى في السر والعلن؛ إذ لا رقيب على الصائم في امتناعه عن الطيبات إلا الله وحده، والصوم يقوِّي الإرادة، ويشحذ العزيمة ويعلم الصبر، ويساعد على صفاء الذهن واتقاد الفكر، وإلهام الآراء الثاقبة، إذ تخطى الصائم مرحلة الاسترخاء، وتناسى ما قد يطرأ له من عوارض الارتخاء والفتور أحيانًا.
قال لقمان لابنه: "يا بني إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة، وخرست الحكمة، وقعدت الأعضاء عن العبادة".
والصوم يعلم النظام والانضباط؛ لأنه يجبر الصائم على تناول الطعام والشراب في وقت محدد، وموعد معين. والصوم يُشعِر بوحدة المسلمين الحسية في المشارق والمغارب، فهم جميعًا يصومون ويفطرون في وقت واحد؛ لأن ربهم واحد وعبادتهم موحدة.
وينمي الصوم في الإنسان عاطفة الرحمة والأخوة، والشعور برابطة التضامن والتعاون، التي تربط المسلمين فيما بينهم، فيدفعه إحساسه بالجوع والحاجة إلى صلة الآخرين، والمساهمة في القضاء على غائلة الفقر والجوع والمرض، فتتقوى أواصر الروابط الاجتماعية بين الناس، ويتعاون الكل في معالجة الحالات المرضية في المجتمع، والصوم فعلًا يجدد حياة الإنسان بتجدد الخلايا، وطرح ما شاخ منها، ويعمل الصوم على إراحة المعدة وجهاز الهضم، وحِمْية الجسد، والتخلص من الفضلات المترسبة والأطعمة غير المهضومة والعفونات، أو الرطوبات التي تتركها الأطعمة والأشربة.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((صوموا تصحوا)) رواه ابن السني وأبو نعيم في الطب عن أبي هريرة، وهو حديث حسن. وقال طبيب العرب الحرث بن كلدة: "المعدة بيت الداء، والحِمْية رأس كل دواء".