والصيام جهاد للنفس، وتخليصها مما علق بها من شوائب الدنيا وآثارها وآثامها، وكسر حدة الشهوة والأهواء، وتهذيبها وضبطها في طعامها وشرابها، بدليل قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)) رواه الجماعة عن ابن مسعود.
وقال الكمال بن الهمام: "الصوم ثالث أركان الإسلام بعد لا إله إلا الله محمد رسول الله والصلاة، شرعه سبحانه لفوائد؛ أعظمها: كونه موجبًا أشياء؛ منها: سكون النفس الأمارة، وكسر سَوْرتها في الفضول المتعلقة بجميع الجوارح، مِن العين واللسان والأذى والفرج، فإن بالصيام تَضعف حركة النفس في محسوساتها، ولذا قيل: إذا جاعت النفس شبعت جميع الأعضاء، وإذا شبعت النفس جاعت الأعضاء كلها.
والصوم أيضًا موجب للرحمة والعطف على المساكين، فإنه لما ذاق ألم الجوع في بعض الأوقات، ذَكر مَن هذا حاله في عموم الأوقات، فتسارع إليه الرقة عليه والرحمة به، فينال بذلك ما عند الله تعالى من حسن الجزاء.
وأيضًا الصوم يفيد في الرحمة بالفقراء، ويفيد موافقة الغني للفقير، بتحمل ما يتحمل أحيانًا؛ لأنه يجوع في الصيام فيتحمل ما يتحمله الفقراء".
وقال في (الإيضاح): "اعلم أن الصوم من أعظم أركان الدين، وأوثق قوانين الشرع المتين، به قهر النفس الأمارة بالسوء، وأنه مركب من أعمال القلب، ومِن المنع عن الأكل والمشارب والمناكح عامة يومه، وهو أجمل الخصال، غير أنه أشق التكاليف على النفوس".