فصرخ الشيخ شهاب الدين، وخلع كلّ ما كان عليه. وطلب الشيخ فلم يجده، فقال الشيخ شهاب الدين: هذا إخبار من كان في الحضرة، ثم اجتمعا بعد ذلك في الحرم الشريف وأعتنقا وتحدثا سرا زمانا طويلا. قال على سبط الشيخ، [قال كمال الدين ابن الشيخ] [1] (12 أ) شرف الدين: واستأذن [2] والدي أن يلبسني ويلبس أخي عبد الرحمن خرقة الصوفية على طريقته، فأذن له. قال الشيخ شرف الدين كنت في أول تجريدي [3] أستأذن والدي وأطلع إلى وادي المستضعفين بالجبل الثاني من المقطّم وآوي فيه وأقيم به ليلا ونهارا، ثم أجيء الى والدي لأجل برّه ومراعاة قلبه، وكان والدي يومئذ خليفة الحكم العزيز [4] بالقاهرة ومصر المحروستين، وكان من أكابر أهل العلم والعمل، فيجد سرورا برجوعي اليه ويلزمني بالجلوس معه في مجالس الحكم ومدارس العلم، ثم أشتاق الى التجريد واستأذنه وأعود الى السياحة [5]، وما برحت أفعل ذلك مرة بعد مرة إلى أن سئل [6] والدي أن يكون قاضي القضاة فامتنع ونزل عن الحكم واعتزل الناس وانقطع الى الله تعالى في جامع الأزهر الى أن مات رحمه الله تعالى، فعاودت التجريد والسياحة وسلوك طريق الحقيقة فلم يفتح عليّ بشيء، فحضرت يوما من السياحة الى المدينة [7] ودخلت المدرسة السيوفية [8]، فوجدت رجلا شيخا بقالا على باب المدرسة يتوضأ وضوءا غير مرتب، غسل يديه ثم غسل رجليه، ثم مسح رأسه [9]، ثم غسل وجهه، فقلت له: يا شيخ أنت تتوضأ وضوءا خارجا عن الترتيب الشرعي، وأنت في هذا السن في دار الاسلام على باب المدرسة بين فقهاء المسلمين، فنظر إليّ وقال: أنت يا عمر [1] التكملة من ديوان ابن الفارض 1/ 13. [2] في الأصل: استأذنه وهو خطأ يغير المعنى الأصلي للنص والمقصود أصلا هو استأذن الشيخ شهاب الدين سهروردي لابن الفارض، المصدر السابق. [3] التجريد: هو الجد في العبادة، لسان العرب 3/ 117 مادة جرد. [4] هو السلطان العزيز عثمان بن صلاح الدين يوسف بن أيوب، ولي سلطنة مصر في حياة والده صورة ثم تسلطن بعد وفاته استقلالا أي في سنة 589 هـ / 1193 م وظل في الحكم حتى وفاته سنة 595 هـ / 1198، انظر النجوم الزاهرة 6/ 120 ووفيات الأعيان 3/ 251. [5] السياحة: الذهاب في الأرض للعبادة والترهب، لسان العرب 2/ 492 مادة سيح. [6] في الأصل: سال. [7] القاهرة: في ديوان ابن الفارض 1/ 5. [8] هذه المدرسة بالقاهرة وهي من جملة دار الوزير المأمون البطائحي وقفها السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب على الحنفية وعرفت بالمدرسة السيوفية من أجل سوق السيوفيين كان حينئذ على بابها وهذه المدرسة هي أول مدرسة وقفت على الحنفية بديار مصر. أنظر الخطط المقريزية 2/ 367. [9] برأسه، في ديوان ابن الفارض 1/ 5.