نام کتاب : دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 142
الإمام الغزالي نصيحة غير مباشرة يتفجر من كل حرف فيها الحث على جهاد الأعداء، فيخبره أن العقلاء يخططون ويدرسون ما الذي يتركون لأعدائهم من بعدهم ويبقى عليهم وباله ونكاله، أي يجب أن يتخذوا حيال أعدائهم أعمالاً من شأنها أن تظل مؤثرة فيهم حتى بعد أن يموت هؤلاء العقلاء، وتظل آثار أعمالهم في ذاكرة أعدائهم، فكان لهذه النصيحة العظيمة رد فعل كبير عند السلطان محمد بن ملكشاه، فبمجرد أن انفرد بالسلطنة بدأ في بعث حركة الجهاد الإسلامي ضد الصليبيين [1] , وسيأتي تفصيل ذلك في محله بإذن الله تعالى.
وقد جاءت روايات أخرى في نصيحة الإمام الغزالي ذكر فيها: ويجب أن تعلم أن صلاح الناس في حسن سيرة الملك، فينبغي للملك أن ينظر في أمور رعيته، ويقف عند قليلها وكثيرها وعظيمها وحقيرها، لا يشارك رعيته في الأفعال المذمومة، ويجب احترام الصالحين، وأن يثبت على الفعل الجميل، ويمنع من الفعل الرديء الوبيل، ويعاقب في ارتكاب القبيح، ولا يحابي من أصر على القبيح، ليرغب الناس في الخيرات ويحذروا من السيئات، ومتى كان السلطان بلا سياسة وكان لا ينهى المفسد عن فساده ويتركه عن مراده، أفسد سائر أموره في بلاده. وقال الحكماء: إن طباع الرعية نتيجة طباع الملك، لأن العوامّ إنما يبخلون، ويركبون الفساد، وتضيق أعينهم اقتداء منهم بملوكهم، فإنهم يتعلمون منهم، ويلزمون طباعهم، ألا ترى أنه قد ذُكر في التاريخ أن الوليد بن عبد الملك - من بني أمية - كان مصروف الهمة إلى العمارة والزراعة وكان سليمان بن عبد الملك همّته في كثرة الأكل وتطيب الطعام، وقضائه الأوطار، وبلوغ الشهوات [2]، وكانت همّة عمر بن عبد العزيز في العبادة والزهادة. قال محمد بن علي بن الفضيل: ما كنت أعلم أمور الرعية تجري على عادة ملوكها، حتى رأيت الناس في أيام الوليد بن عبد الملك قد اشتغلوا بعمارة الكُرم والبساتين، واهتموا ببناء الدور، وعمارة القصور, ورأيتهم في زمان سليمان بن عبد الملك قد اهتموا بكثرة الأكل وطيب الطعام، حتى كان الرجل يسأله صاحبه: أيَّ لون اصطنعت، وما الذي أكلت؟ ورأيتهم في أيام عمر بن عبد العزيز قد اشتغلوا بالعبادة، وتفرغوا لتلاوة القرآن وأعمال الخيرات، وإعطاء الصدقات لتعلم أن في كل زمان تقتدي الرعية بالسلطان، ويعملون بأعماله، ويقتدون بأفعاله من القبيح والجميل، واتباع الشهوات، وإدراك الكمالات، كما يقال [3].
وقد ذكر بعض المؤرخين أن كتاب الغزالي «التبر المسبوك في نصيحة الملوك» هو عبارة عن توجيهات للسلطان محمد بن ملكشاه الذي كان مستولياً في عهد المستظهر بالله العباسي، [1] دور العلماء والفقهاء المسلمين في الشرق الأدني، ص 84. [2] قد ناقشت ما نسب إلى سليمان بن عبد الملك في كتابي عن الدولة الأموية. [3] التبر المسبوك, نقلاً عن صلاح الأمة (3/ 201).
نام کتاب : دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 142