نام کتاب : دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 430
المسلمين، على مستوى القمة حيناً, وعلى مستوى القواعد معظم الأحيان، لقد صنعت الحقبة مجاهدين على درجة كبيرة من الفاعلية والقدرة, وقد انتشر هؤلاء المجاهدون في كل الجبهات وقاموا بمقاومة الغزاة في كل الفترات، وعلى مدى قرنين من الزمن لم يضعفوا ولم يستكينوا أو يضعوا السلاح, كانوا على استعداد في كل لحظة لركوب خيولهم والانطلاق سراعاً إلى الأهداف، والجهاد لا تصنعه النظريات والأماني، والمجاهد لا يتحرك في الفراغ، ولكنها التحديات التاريخية الكبيرة هي التي تصنع الجهاد وتبعث المجاهدين وتنفخ في المقاتل المسلم روح البطولة والتضحية والاستشهاد. لقد كانت الحروب الصليبية تحدياً كبيراً، لكن المسلمين عرفوا كيف يستجيبون له ويكونون «مجاهدين» كما أراد لهم الله ورسوله أن يكونوا وليس الجهاد عملاً سريعاً وانتظاراً لقطاف سريع، إنه صبر طويل وممارسة دائمة وتضحية بالغالي والرخيص، وزهد في المغانم القريبة والمنافع العاجلة، وقدرة على تعليق الرغبة المتعجلة بحلول النتائج وربطها بقدر الله ومشيئته [1].
إن أجيالاً من المجاهدين قد تنطوي قبل أن تنكشف النتائج، وقبل أن يطالب أحد منهم بقبض الثمن أو رؤية النتيجة الحاسمة، فمصائر الصراع تبقى دائماً بيد الله، قد يكشفها على المدى القريب وقد يطول السرى ويلتوي الطريق. لقد استغرقت الحروب الصليبية مائتين من السنين، لكن هذا المدى الطويل للعدوان لم يدفع رجال المقاومة المجاهدين إلى اليأس والتشاؤم وإلقاء السلاح، ظلوا يقارعونه بالنفس القوي ذاته، وتسلم الأجيال منهم الراية للأجيال حتى أذن الله بزوال العدوان وجلاء آخر غازٍ صليبي عن أرض الإسلام. هل كان أحد يتصور - في بدايات الحقبة المريرة - أنها ستدوم قرنين؟ ومن كان يتصور - أيضاً - أن إمارات ثلاثاً ومملكة كبيرة ستطوي الواحدة تلو الأخرى من صفحة الوجود, والحق أن طول أمد العدوان وامتداده على مسافة قرنين من الزمن، لم يكن بسبب من نقص القدرات البشرية والاقتصادية لعالم الإسلام أو ضعف في التزام الجماهير العقائدي وروحه الجهادية، وإنما في غياب القيادة الموحدة المؤمنة الملتزمة الواعية عبر مساحات من الصراع الطويل، ويوم كانت تبرز قيادات كهذه كانت تتحقق الإنجازات الكبيرة، وكانت النتائج الحاسمة تختزل حيثيات الزمن والمكان, وتحقق من المعطيات ما شهد به الغربيون أنفسهم [2]. إن زمن قيادة رجل كمودود ونور الدين محمود والناصر صلاح الدين لهو الزمن الذي تلقي فيه الصليبيون أقسى الضربات, وتمكن المجاهدون خلاله من تحقيق أكبر الإنجازات، ولكن كم من هؤلاء القادة برزوا عبر الحقبة الطويلة؟ إن قيادة المقاومة لو أتيح لها أن تتواصل كما [1] هجمات مضادة في التاريخ الإسلامي، ص 3. [2] المصدر نفسه، ص 34.
نام کتاب : دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 430