عندما أخبر المفتي بالنفي توجهت من جديد للقائد الأعلى، أتوسل إليه أن يسمح له، على الأقل، بتسوية شؤونه وبيع أملاكه وأثاثه وعقاراته.
وبعد كثير من الصعوبات حصلت له، تحت كفالتي، على أجل مهلته عشرون يوما سوى خلالها حساباته, وعند انتهاء الأجل رحل إلى الاسكندرية.
إن هذا العمل الجائر قد جعل الناس كلهم يرتابون، وخاصة السلطة التشريعية والقاضي والمفتي. فلم يعد أي وحاد منهم يجرؤ على الكلام عن وثيقة الاستسلام خشية أن ينال مصير المفتي المذكور. وأمر المكلف بإدارة أملاك مكة والمدينة بأن يدفع إلى صندوق أملاك الدولة كل ما كان يحتفظ به من أموال، وأن يسلم في نفس الوقت جميع الدفاتر. لقد امتثل ذلك المدير إلى تلك التدابير وعلمت أن المبالغ المسلمة كان قدرها 140 ألف فرنك. غير أنه أذن لهذا الشخص أن يواصل اقتضاء مقادير الكراءات حسب العادة، ولكنه تلقى تعليمات جديدة تغير قوانين المؤسستين تغييرا كليا. لقد كان الهدف من هذه القوانين هو مساعدة الطبقة الفقيرة، كما سبق أن أشرنا إلى ذلك، وتوزيع جميع الواردات عليها، أما الآن فإنه لم يعد يوزع عليهم أسبوعيا، إلا حوالي 800 فرنك.
ما هي الوسائل التي استعملت لجعل الحكومة الفرنسية توافق على هذه التدابير؟ فيا ليتني كنت أستطيع أن أرى مراسلات هذا الوالي إبان حكمه لكي أتعرف على ما الذي أيد آراءه في مثل ذلك التناقض مع نوايا الحكومة الفرنسية، خاصة فيما يتعلق بالطبقة الفقيرة المحتاجة.
لقد كان الجنرال بارتوزين، خلال المدة التي حكم فيها الجزائر، ينوي إعادة أملاك مكة والمدينة لأصحابها. وكان للسيد بيشو والدوق دوروفيكو