نام کتاب : رحلة ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون جلد : 1 صفحه : 108
وكان تقدم منه قبل هذه الرسالة كتاب آخر إلي، بعث به إلى تلمسان، فتأخر وصوله، حتى بعث به الأخ يحيى عند وفادته على السلطان، ونص الكتاب:
يا سيدي إجلالاً واعتداداً، وأخي وداً واعتقاداً، ومحل ولدي شفقة سكنت مني فؤاداً. طال علي انقطاع أنبائك، واختفاء أخبارك، فرجوت إن تبلغ النية هذا المكتوب إليك، وتخترق به الموانع دونك، وإن كنت في مياثتك كالعاطش الذي لا يروى، والآكل الذي لا يشبع، شأن من تجاوز الحدود الطبيعية، والعوائد المألوفة؛ فأنا الآن - بعد إنهاء التحية المطلولة الروض بماء الدموع، وتقرير الشوق اللزيم، وشكوى البعاد الأليم، وسؤال إناحة القرب قبل الفوت من الله ميسر العسير، ومقرب البعيد، - أسفل عن أحوالك سؤال أبعد الناس محالاً في مجال الخلوص
لك، وأشدهم حرصاً على اتصال سعادتك؛ وقد اتصل بي في هذه الأيام ما جرى به القدر من تنويع الحال لديك، واستقرارك ببسكرة محل الغبطة بك، باللجأ إلى تلك الرياسة الزكية، الكريمة الأب، الشهيرة الفضل، المعروفة القدر على البعد؛ حرسها الله ملجأ للفضلاء، ومخيماً لرجال العلياء، ومهباً لطيب الثناء، بحوله وقوته؛ وما كل وقت تتاح فيه السلامة؛ فاحمدوا الله على الخلاص، وقاربوا في معاملة الآمال، وضنوا بتلك الذات الفاضلة عن المشاق، وأبخلوا بها عن المتالف، فمطلوب الحريص على الدنيا خسيس، والموانع الحافة جمة، والحاصل حسرة، وبأقل السعي تحصل حالة العافية، والعاقل لا يستنكحه الاستغراق فيما آخره الموت، إنما ينال منه الضروري، ومثلك لا يعجزه - مع التماس العافية - أضعاف ما يزجي به العمر من المأكل والمشرب، وحسبنا الله.
وإن تشوفت لحال المحب تلك السيادة الفذة، والبنوة البرة، فالحال الحال، من جعل الزمام بيد القدر، والسير في مهيع الغفلة، والسبح في تيار الشواغل، ومن وراء الأمور غيب محجوب، وأمل مكتوب، نؤمل فيه عادة الستر من الله، إلا أن الضجر الذي تعلمونه، حفضه اليأس لما عجزت الحيلة، وأعوز المناص وسدت المذاهب،
نام کتاب : رحلة ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون جلد : 1 صفحه : 108