بئس لعمر القتيل قتلت. أما والله إني لأظنه سيبلغ ما تكره فتراجعا شيئاً ثم
تفرقا. فقام الربيع يطأ الأرض وطئاً شديدا، وأخذ يومئذ حمل ابن بدر ذا النون، سيف مالك بن
زهير، فزعموا أن حذيفة لمّا قام الربيع أرسل أمَة له مولّدة، فقال اذهبي إلى معاذة بنت بدر، امرأة
الربيع، فانظري ماذا ترين الربيع يصنع. فانطلقت الجارية حتى دخلت البيت، فاندست بين الكفاء
والنضد، وجاء الربيع فنفذ البيت، حتى أتى فرسه، فقبض بمعرفته، ثم مسح متنه، حتى قبض بعكوة
ذنبه، ثم رجع إلى البيت ورمحه مركوز بفنائه، فهزّه هزاً شديداً، ثم ركزه كما كان، ثم قال لامرأته
اطرحي لي شيئاً، فطرحت له شيئاً فاضطجع عليه، وكانت قد طهرت تلك الليلة فدنت إليه، فقال
إليك، فقد حدث أمر، ثم تغنّى فقال:
نام الخَليُّ وما أُغمِّضُ حارِ ... مِن سيِّيءِ النَّبَأِ الجليلِ السارِي
مِن مِثلهِ تُمسي النِّساءُ حواسِراً ... وتقوم مُعوِلةً معَ الأسحار
مَن كان مسروراً بمقتَلِ مالكٍ ... فليأتِ نِسوَتنا بِوَجهِ نهار
قد كُنَّ يَخبأنَ الوجوهَ تَسَتُّرا ... فاليومَ حين بَدونَ للنُظَّار
يَحبَأنَ حُرَّاتِ الوُجوهِ على امرئٍ ... سَهلِ الخليقةِ طَيِّبِ الأخبار
أفَبَعدَ مَقتلِ مالكِ بنِ زُهيرٍ ... ترجو النساءُ عَواقبَ الأطهار
ما إنْ أرى في قَتلهِ لِذَوي الحِجَا ... الا المَطِيَّ تُشَدُّ بالأكوار
ومُجَنَّباتٍ ما يَذُقْنَ عَذَوَّفاً ... يقذِفنَ بالمُهرَاتِ والأمهار