والجواب أن عموم لفظ الضلالة لكل بدعة ثابت كما تقدم بسطه، وما التزمتم في الفعل المكروه غير لازم فإنه لا يلزم في الأفعال أن تجرى على الضدية المذكورة إلا بعد استقراء الشرع ولما استقرينا موارد الأحكام الشرعية وجدنا للطاعة والمعصية واسطة متفقا عليها أو كالمتفق عليها وهى المباح وحقيقته أنه ليس بطاعة من حيث هو مباح، فالأمر والنهي ضدان بينهما واسطة لا يتعلق بها أمر ولا نهى وأنما يتعلق بها التخيير، وإذا تأملنا المكروه حسبما قرره الأصوليون وجدناه ذا طرفين طرف من حيث هو منهي عنه فيستوي مع المحرم في مطلق النهى فربما يتوهم أن مخالفة نهى الكراهية معصية من حيث اشترك مع المحرم في مطلق المخالفة، غير أنه يصد عن هذا الإطلاق الطرف الآخر وهو أن يعتبر من حيث لا يترتب على فاعلة ذم شرعي ولا إثم ولا عقاب فخالف المحرم من هذا الوجه وشارك المباح فيه لأن المباح لا ذم على فاعله ولا إثم ولا عقاب فتحاموا أن يطلقوا على ما هذا شأنه عبارة المعصية، وإذا ثبت هذا ووجدنا بين الطاعة والمعصية واسطة يصح أن يدخل تحتها المكروه لم يصح أن يتناوله ضد الطاعة فلا يطلق عليه لفظ المعصية بخلاف الهدى والضلال فإنه لا واسطة بينهما في الشرع يصح أن ينسب إليها لفظ المكروه من البدع، وقد قال الله تعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ} فليس إلا حق وهو الهدى والضلال وهو باطل فالبدع المكروهة ضلال.
وأما ثانيا فإن إثبات قسم الكراهة في البدع على الحقيقة مما ينظر فيه فلا يغتر المغتر بإطلاق المتقدمين من الفقهاء لفظ المكروه على بعض، وإنما حقيقة المسالة أن البدع ليست على رتبة واحدة في الذم كما تقدم بيانه وأما تعيين الكراهة التي معناها نفى إثم فاعلها وارتفاع الحرج البتة فهذا مما لا يكاد يوجد عليه دليل من الشرع ولا من كلام الأئمة على الخصوص، أما الشرع ففيه ما يدل على خلاف ذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد على من قال أما أنا فأقوم الليل ولا أنام وقال الآخر أما أنا فلا أنكح النساء إلى آخر ما قالوا فرد عليهم ذلك صلى الله عليه وسلم وقال: " من رغب عن سنتي فليس مني " وهذه العبارة أشد شيء في الإنكار ولم يكن ما التزموا إلا فعل مندوب أو ترك مندوب إلى فعل مندوب آخر وكذلك ما