بإحسان ... طلبه على العقبة الثالثة وهي عقبة الكبائر فإن ظفر به فيها زينها له وحسنها في عينه وسوف به وفتح له باب الإرجاء ... والظفر به في عقبة البدعة أحب إليه لمناقضتها الدين ودفعها لما بعث الله به رسوله وصاحبها لا يتوب منها ولا يرجع عنها بل يدعو الخلق إليها ولتضمنها القول على الله بلا علم ومعاداة صريح السنة ومعاداة أهلها والاجتهاد على إطفاء نور السنة وتولية من عزله الله ورسوله وعزل من ولاه الله ورسوله واعتبار ما رده الله ورسوله ورد ما اعتبره وموالاة من عاداه ومعاداة من والاه وإثبات ما نفاه ونفي ما أثبته وتكذيب الصادق وتصديق الكاذب ومعارضة الحق بالباطل وقلب الحقائق بجعل الحق باطلا والباطل حقا والإلحاد في دين الله وتعمية الحق على القلوب وطلب العوج لصراط الله المستقيم وفتح باب تبديل الدين جملة فإن البدع تستدرج بصغيرها إلى كبيرها حتى ينسلخ صاحبها من الدين كما تنسل الشعرة من العجين] [1].
فهذا يدل على أن البدعة عنده أكبر من الكبائر، ولكن طرد هذا الكلام هل يستقيم؟ ! أم أنه من ناحية الجنس فقط [2]، بمعنى أنه لا منافاة بين هذا الأصل وأن تكون بعض البدع كنحو رفع الإمام يديه يوم الجمعة في إثناء الخطبة أو المصافحة عقب الصلوات ونحو ذلك مما سيأتي التمثيل به، أخف من بعض الكبائر كترك الصلاة، والزنا، وقتل النفس، وشرب الخمر، ...
(لازم ما سيأتي من كلام الشاطبي اختيار القول الأخير، فقد ذهب إلى أن البدع تنقسم إلى كبائر وصغائر بأوصاف وشروط، فتعالوا نتوقف مع كلامه لنتبين وجهه، والله المستعان.
قال الشاطبي: [المحرم ينقسم في الشرع إلى ما هو صغيرة وإلى ما هو كبيرة حسبما تبين في علم الأصول الدينية فكذلك يقال في البدع المحرمة إنها تنقسم إلى الصغيرة والكبيرة اعتبارا بتفاوت درجاتها كما تقدم وهذا على القول بأن المعاصي تنقسم إلى الصغيرة والكبيرة، ولقد اختلفوا في الفرق بينهما على أوجه [1] مدارج السالكين (1/ 222: 224). [2] ويوضحه أن مثلاً جنس الرجال أفضل من جنس النساء، ولكن هذا لا ينفي أن تكون من النساء من هي أفضل من بعض الرجال.