كما أن القواعد الخمس أركان الدين وهي متفاوتة في الترتيب فليس الإخلال بالشهادتين كالإخلال بالصلاة ولا الإخلال بالصلاة كالإخلال بالزكاة ولا الإخلال بالزكاة كالإخلال برمضان وكذلك سائرها مع الإخلال فكل منها كبيرة، فقد آل النظر إلى أن كل بدعة كبيرة.
ويجاب عنه بأن هذا النظر يدل على ما ذكر ففي النظر ما يدل من جهة أخرى على إثبات الصغيرة من أوجه:
أحدها أنا نقول الإخلال بضرورة النفس كبيرة بلا إشكال ولكنها على مراتب أدناها لا يسمى كبيرة فالقتل كبيرة وقطع الأعضاء من غير إجهاز كبيرة دونها وقطع عضو واحد كبيرة دونها وهلم جرا إلى أن تنتهي إلى اللطمة ثم إلى أقل خدش يتصور فلا يصح أن يقال في مثله كبيرة [1]، كما قال العلماء في السرقة إنها كبيرة لأنها إخلال بضرورة المال، فإن كانت السرقة في لقمة أو تطفيف بحبة فقد عدوه من الصغائر، وهذا في ضرورة الدين أيضا ... قال ابن رشد جائز عند مالك أن يروح الرجل قدميه في الصلاة. قاله في المدونة وإنما كره أن يقرنهما حتى لا يعتمد على إحداهما دون الأخرى لأن ذلك ليس من حدود الصلاة إذ لم يأت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من السلف والصحابة المرضيين وهو من محدثات الأمور انتهى، فمثل هذا إن كان يعده فاعله من محاسن الصلاة وإن لم يأت به اثر فيقال في مثله إنه من كبار البدع، كما يقال ذلك في الركعة الخامسة في الظهر ونحوها بل إنما يعد مثله من صغائر البدع إن سلمنا أن لفظ الكراهية فيه ما يراد به التنزيه وإذا ثبت ذلك في بعض الأمثلة في قاعدة الدين فمثله يتصور في سائر البدع المختلفة المراتب؛ فالصغائر في البدع ثابتة كما أنها في المعاصي ثابتة.
والثاني أن البدع تنقسم إلى ما هي كلية في الشريعة وإلى جزئية ومعنى ذلك أن يكون الخلل الواقع بسبب البدعة كليا في الشريعة كبدعة التحسين والتقبيح العقليين وبدعة إنكار الأخبار السنية اقتصارا على القرآن وبدعة الخوارج في قولهم [1] وما هو الحد الضابط للتفريق بينهما، فكان ينبغي له أن يقيد تعريفه الأول هنا بما يتضح به المقام كما هو شأن الحدود.