مثل ذلك وثبت أنه كان لأبي الدرداء وأبي هريرة وسعد بن أبي وقاص وأبي صفية نوى أو حصى يسبحون بها.
فإذا علمنا ذلك، علمنا أن من يلزم الناس بضبط عدد الذكر بعقد الأصابع ويبدع مرتكب غير ما أمر به، متحكم مصادم لسنة أقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكرها، أو فعلها بعض أصحابه الكرام وهم أكثر الناس حرصاً على متابعته صلى الله عليه وسلم والتأسي به، فكان في ذلك مبتدعاً لأنه أفضى إلى تغيير سنة ثابتة. والله أعلم.
الشرط الرابع:
كما يشترط في البدعة الحسنة أن يراها المسلمون أمراً حسناً، بعد أن لا يكون فيها مخالفة للكتاب أو السنة أو الإجماع.
وهذا الشرط ذكره الإمام العيني في معرض كلامه عن البدعة الحسنة فقال: وهي ما رآه المسلمون حسناً، ولا يكون مخالفاً للكتاب والسنة والإجماع. انتهى. ثم مثل لذلك بأذان عثمان، وتحديد ركعات التراويح في رمضان بعشرين ركعة).
الجواب من وجوه:
الأول – وأما ما ذكره في الشرط الأول من تخصيص البدعة في العبادات دون العادات والأمور المعاشية التي لا تعبد فيها يرده قوله والذي نقلته آنفا حيث قال (ص/105): (عدم جواز إحداث البدعة إذا كانت مخالفة لأصل الشرع، يؤخذ هذا من قوله صلى الله عليه وسلم: "أمرنا"، و "ديننا"، فهو شامل لكل المحدثات سواء كانت من العبادات أو المعاملات أو غير ذلك، لأن كلمة "أمرنا" و "ديننا" كلمة عامة، فكل ما له أصل عام فهو مقبول يندرج تحت البدعة الحسنة، وكل ما ليس له أصل عام فهو مردود من البدع السيئة، وهذا نص الحديث ينطق بالحق).
الثاني – قوله: (فإن أحداً من العقلاء لا يقول مثلاً: إن ما أحدث بعد عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ركوب الطائرات والسيارات وغيرها من البدع) يدخل فيه هو رأسا بنص كلامه السابق، كما أن هذا النفي يدل على عدم علمه بخلاف العلماء وقد عرض الشاطبي طريقتين للعلماء في تعريف البدعة وذكر منهما من يقول بشمول البدعة للعادات والعبادات، وقد سبق ذكر ذلك سابقا فليراجع.
كما أن هذا النفي يدل على هذا يشمل عدم دخول العادات بوجه في البدع مع أن لها مدخل وهي من جهة ما قد يلحق بها من شائبة تعبد فكان عليه أن يستثني ذلك.