وتشديد بعض الناس وإصرارهم على هذا القول يوقع الصحابة الكرام بأمر خطير، وذلك لأن حملهم البدعة هنا على المعنى اللغوي يجعلهم يعدون ما فعله سيدنا عمر ووافقه عليه الصحابة أمراً منكراً وبدعة ضلالة؛ لأن هؤلاء المصرين يجعلون كل بدعة ضلالة، وصلاة الصحابة التراويح جماعة إما أن يكون حسناً في الشرع أو سيئاً، فأما كونه سيئاً، فهو قول أهل البدع، وأما كونه حسناً فهو إجماع الأمة ... ).
الجواب من وجهين:
الأول – قال الحميري (ص/26) بعد أن ذكر عدة تعاريف للبدعة: "وأستنتج بعد هذا كله وأستخلص من ذلك تعريفاً أراه جامعاً مانعاً يفي بالغرض، فأقول: البدعة الحسنة هي: إظهار صورة مخصوصة لحالة مخصوصة ألحت الدواعي على إبرازها بالقياس الصحيح" وإن كان تعرفه فيه غموض تصان عنه الحدود، إذ أنك لا تستطيع أن تعرف الوقت الذي يعتبر الظهور فيه بدعة هل هو بعد عصر النبي أو بعد عصر الصحابة بإعتبار أن قولهم حجة عنده، أو بعد العصور الثلاثة الفاضلة، كما أن تعريفه فيه إجمال لنوع الصورة والحالة المخصوصتين الذين هما عنده من البدع الحسنة وهل يدخل فيهما العادات والعبادات أم العبادات فقط.
لن أتكلم عن كل هذا .. إلا أنه في ضوء كلامه السابق يظهر أن البدعة الحسنة عنده هي عبادة خاصة مخترعة لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الحاجة أدت إلى ظهورها وهي موافقة للقياس الصحيح والقواعد الشرعية.
وعلى ذلك:
1 - فما كان موجودا في عهده صلى الله عليه وسلم فليس ببدعة حسنة بل هو شرع مستقر.
2 - ما دل الدليل على اعتباره بالأصالة وليس بالإلحاق والقياس ولا بالملائمة لقواعد الشرع فليس ببدعة حسنة بل هو سنة مستقرة.
لو طبقنا هذا الكلام على الأمثلة التي ذكرها لكانت النتيجة أن صلاة التراويح جماعة وصلاة الضحى ليستا من البدع الحسنة بل هما من السنن الثابتة.
ودليل ذلك في صلاة التراويح ما رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها، قالت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة من جوف الليل، فصلى في المسجد، فصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس، فتحدثوا، فاجتمع أكثر منهم، فصلوا معه، فأصبح الناس، فتحدثوا، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله صلى الله عليه