سادسا - "ما رآه المسلمون حسنا":
قال الشيخ الغامدي في "حقيقة البدعة" ([1]/ 382) ما مختصره: (ومن الشُبه التي يتمسك بها المحسّن للبدع: قوله [1] قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلبَ محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد، بعد قلب محمد، فوحد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه، فما رأى المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رأوا سيئاً فهو عند الله سيء" وفي بعض الروايات زيادة: (وقد رأى الصحابة جميعاً أن يستخلفوا أبا بكر رضي الله عنه).
وهذا الحديث الذي يستدل به المحسن للبدع، لم يرد مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا عند الخطيب في تاريخ بغداد (4/ 165) عن أنس بن مالك رضي الله عنه وفي سنده أبو داود النخعي وهو سليمان بن عمرو، وقد تفرد بروايته، كما قال الخطيب، وهو كذاب كما قال الذهبي في الميزان (2/ 216) ونقل عن الإمام أحمد أنه قال: كان يضع الحديث، فالحديث موضوع، وقد ذكره ابن الجوزي في العلل المتناهية ([1]/ 80 (وذَكَر تفرد النخعي، وكلام أحمد عنه ثم قال: وهذا الحديث إنما يعرف من كلام ابن مسعود، أما الأسانيد الأخرى المذكورة فكلها جاءت به موقوفاً على ابن مسعود، وهذا ما جعل الزيلعي في نصب الراية يقول: (غريب مرفوعاً ولم أحده إلا موقوفاً على ابن مسعود).
وقال ابن القيم بعد أن أورد هذا الأثر ( .. ليس من كلام رسول الله وإنما يضيفه إلى كلام من لا علم له بالحديث، وإنما هو ثابت عن ابن مسعود) ...
ومما سبق يتضح أن هذا الأثر الذي يستدل به محسّن البدع، لا تصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم بل هو من كلام ابن مسعود رضي الله عنه هذا من جهة السند، وقد يبقى فيه شائبةُ احتجاج عند من يترك المحكمات من النصوص، ويتعلق بما اشتبه ليبرر بذلك ما أملاه عليه نظره وهواه فيقول: هذا من كلام صحابي جليل أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالأخذ عنه، أو يقول: هذا الكلام من قبيل المرفوع حكماً، لكونه مما لا يُدرك بالعقل. ولمناقشة هذه الشبه لابد من وقفات:
الوقفة الأولى:
المتأمل للآثار الواردة على الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يرى [1] ولم أجد للغماري ولا الحميري كلاما صريحا في الاستدلال بهذا الأثر على قولهم.