أنه من أشد الناس على البدع وأهلها، صغيرها وكبيرها كقوله رضي الله عنه (اقتصادٌ في سنةٍ خيٌر من اجتهاد في بدعة) وقوله: (أيها الناس إنكم ستحدثون ويُحْدَثُ لكم، فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالأمر الأول). وقوله (اتبعوا آثارنا فقد كُفيتم). وقوله: (اتبعوا ولا تبتدعوا، فقد كُفيتم كل ضلالة) وقوله: (عليكم بالعلم، وإياكم والتبدّع والتنطّع والتعمّق، وعليكم بالعتيق) وهو الذي أنكر على المجمعين في مسجد الكوفة ذكرهم لله بصورة جماعية، وقال لهم: (لقد فَضُلتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علماً، أو لقد جئتم ببدعة ظلماً إلى أن قال والذي نفسي بيده لئن أخذتم آثار القوم ليسبقنكم سبقاً بعيداً ولئن حرتُم يميناً وشمالاً لتضلُنَّ ضلالاً بعيداً).
والآثار الواردة عنه في ذم البدع والتحذير منها كثيرة، فهل يُعقل أن يقال بعد ذلك أن ابن مسعود رضي الله عنه يقول بحسن بعض البدع، أو بجواز إحداث شيء يُتقرب به إلى الله، لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
الوقفة الثانية:
إن العلماء استشهدوا بهذا الأثر في غير ما استدل به محسنو البدع، وعلموا من لفظه ومعناه، غير ما اشتبه على هؤلاء وهذه الاستدلالات، تدور حول عدة معان:
الأول: أن هذا الأثر جاء في فضل الصحابة رضوان الله عليهم، وعلو منزلتهم، وارتفاع مكانتهم، يدلُّ على هذا المعنى: ما جاء في الأثر من تصريح بفضلهم .. ويدل عليه الجزء الذي يستدل به المبتدع وهو قوله: (وما رأى المسلمون حسناً فهو عند الله حسن ... ) ولذلاك وضعه الحاكم في مستدركه في كتاب معرفة الصحابة ولم يرو إلا هذا الجزء من الأثر، وكذلك فعل البيهقي في كتاب الاعتقاد، إذ أدخله في باب القول في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكذلك صنع الساعاتي في ترتيبه لمسند الإمام أحمد، حيث جعل هذا الأثر في كتاب المناقب، باب ذكر مناقبهم على الإجمال، وقد سبقهم في هذا التصنيف الإمام أحمد، في كتابه فضائل الصحابة، وبما يشبه هذا التصنيف، كان صنيع الحافظ أبي نعيم الأصفهاني في كتاب الإمامة واستدل به ابن كثير في تفسيره لقوله تعالى: {اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}.
الثاني: هذا الأثر يجيء في أدلة صحة خلافة الصديق رضي الله عنه، وقد استدل به غير واحد، فمنهم على سبيل المثال صاحب الرياض النضرة في مناقب العشرة، بعد أن أورده بالزيادة الواردة في المستدرك وغيره وهي: (وقد رأي الصحابة جميعاً أن يستخلفوا أبا بكر رضي الله عنه) قال: (وهذا من أقوى الأدلة على صحة خلافته رضي الله عنه فإن