الإجماع قطعي) وكذلك ابن كثير في البداية والنهاية حيث قال بعد إيراده للأثر من مسند أحمد: (وهذا الأثر فيه حكاية إجماع الصحابة في تقديم الصديق).
وقد جمع بين هذا المعنى والذي قبله، شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث استدل بهذا الأثر في منهاج السنة على فضل الصحابة جميعاً، وعلى فضل أبي بكر على وجه الخصوص، في سياق رده على الرافضي، الذي زعم أن الذين بايعوا الصديق، إنما كانوا أصحاب جهل وطلب للدنيا، أخزاه الله ورضي الله، عن جميع صحابة نبيه.
الثالث: يجيء الاستدلال بهذا الأثر، عند أهل العلم في باب الإجماع عند ذكر حجيته، وممن استدل به ابن قدامه في الروضة وأبو الخطاب الكلوذاني في التمهيد والخطيب في الفقيه والمتفقه وابن القيم في إعلام الموقعين وفي الفروسية.
الرابع: مما سبق يتبين أن المراد بقوله: (ما رآه المسلمون ... ) الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، بدليل سياق الأثر: (ثم ينظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رأى المسلمون حسناً، فهو عند الله حسن ... ).
ويؤيد أن المقصود بالمسلمين في الأثر الصحابة، ما سبق نقله والإشارة إليه من أقوال العلماء، حيث دلت في مجموعها على هذا المعنى، وبذلك لا يبقى لمحتج بهذا الأثر على استحسان بعض البدع أي مستمسك، فإن لم يكن ظاهر اللفظ متضحاً لصاحب الشبهة، فإنه يتوجه إلى الإجماع، كما قال الإمام الشاطبي رحمه الله في الرد على من استدل بهذا الأثر: (إن ظاهره يدل على أن ما رآه المسلمون حسناً فهو حسن، والأمة لا تجتمع على باطل، فاجتماعهم على حسن شيء يدل على حسنه شرعاً، لأن الإجماع يتضمن دليلاً شرعياً، الحديث دليل عليكم لا لكم - إلى أن قال- إذا لم يرد به أهل الإجماع وأريد بعضهم، فيلزم استحسان العوام، وهو باطل بإجماع). وقال الحافظ أبو محمد بن حزم الظاهري رحمه الله: (واحتجوا في الاستحسان بقولٍ يجري على ألسنتهم وهو: (ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن)، وهذا لا نعلمه بسند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجه أصلاً، وأما الذي لا شك فيه فإنه لا يوجد البتة في مسند صحيح، وإنما نعرفه عن ابن مسعود ثم ذكر سنده إلى ابن مسعود وأورد الأثر ثم قال: وهذا لو أتى من وجه صحيح لما كان لهم فيه متعلق؛ لأنه إنما يكون إثبات إجماع المسلمين فقط، لأنه لم يقل ما رآه بعض المسلمين حسناً فهو حسن ... ).