الباب الثاني
شرح التعريف
الفصل الأول:
الكلام على صيغة العموم (كل)، وأنها على عمومها وشمولها لجميع البدع [1]، وفيه مباحث:
المبحث الأول: بيان عموم ذم البدع ([2]):
قال الشاطبي تحت عنوان: (الباب الثالث في أن ذم البدع والمُحدثَات عامُّ لا يخص محدثه دون غيرها): (فاعلموا -رحمكم الله- أن ما تقَدَّم من الأدلَّة حجة في عموم الذم من أوجه:
أحدها: أنها جاءت مطلقة عامَّة على كثرتها، لم يقع فيها استثناء البتة، ولم يأت فيها شيء مما يقتضي أن منها ما هو هدىً، ولا جاء فيها: كل بدعة ضلالة، إلا كذا وكذا، ولا شيء من هذه المعاني، فلو كان هنالك محَدثة يقتضى النظر الشرعي فيها الاستحسان أو أنها لاحقة بالمشروعات، لذُكِرَ ذلك في آية أو حديث، لكنه لا يوجد، فدلَّ على أن تلك الأدلة بأسرها على حقيقة ظاهرها من الكلية التي لا يتخلَّف عن مقتضاها فردٌ من الأفراد.
والثاني: أنه قد ثبت في الأصول العلميَّة أن كل قاعدة كلَّية أو دليل شرعي كلَّي، إذا تكرَّرت في مواضع كثيرة، وأتى بها شواهد على معان أصوليَّة أو فروعيَّة، ولم يقترن بها تقييد ولا تخصيص، مع تكرُّرها وإعادة تقرُّرها، فذلك دليل على بقائها على مقتضى لفظها من العموم ...
والثالث: إجماع السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم على ذمَّها كذلك وتقبيحها والهروب عنها وعمَّن اتَّسم بشيء منها، ولم يقع منهم في ذلك توقُّف ولا مثنوية، فهو - بحسب الاستقراء - إجماع ثابت، فدلَّ على أن كلَّ بدعة ليست بحق، بل هي من الباطل. [1] وقد زعم محسنو البدع أنها من قبيل العام الذي أريد به الخصوص، واستندوا للتخصيص على بعض الشبه سوف نعرض لها - بمشيئة الله - في الرد على الغماري، وأضرابه. [2] وانظر أيضاً ما كتبه الغامدي لتقرير هذا الأصل في كتابه حقيقة البدعة: 1/ 282: 290.