والرابع: أن متعقَّل البدعة يقتضى ذلك بنفسه؛ لأنه من باب مضادَّة الشارع واطِّراح الشرع، وكل ما كان بهذه المثابة، فمحال أن ينقسم إلى حسن وقبيح، وأن يكون منه ما يمدح ومنه ما يذم، إذ لا يصح في معقول ولا منقول استحسان مشاقَّة الشارع ... ) [1].
وقال ابن رجب الحنبلي: [قوله (: (كل بدعة ضلالة) من جوامع الكلم لا يخرج عنه شيء وهو أصل عظيم من أصول الدين، وهو شبيه بقوله (: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ) فكل من أحدث شيئاً ونسبه إلى الدين ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه فهو ضلالة والدين بريء منه، وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات أو الأعمال أو الأقوال الظاهرة والباطنة، وأما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية] (2)
وقال أيضاً: عند قوله - صلى الله عليه وسلم - المتفق عليه: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد): [هذا الحديث أصل عظيم من أصول الإسلام كما أن حديث الأعمال بالنيات ميزان للأعمال في باطنها وهو ميزان للأعمال في ظاهرها.
فكما أن كل عمل لا يراد به وجه الله تعالى فليس لعامله فيه ثواب فكذلك كل عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله فهو مردود على عامله، وكل من أحدث في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله فليس من الدين في شيء] [3].
وقال الحافظ ابن حجر عند قوله - صلى الله عليه وسلم -: (كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) قال: [هذا قاعدة شرعية كلية بمنطوقها ومفهومها، أما منطوقها فكأن يقال، حكم كذا بدعة وكل بدعة ضلالة فلا تكون من الشرع لأن الشرع كله هدى فإن ثبت أن الحكم المذكور بدعة صحت المقدمتان وأنتجتا المطلوب] (4)
وقال الشوكاني: [وهذا الحديث من قواعد الدين؛ لأنه يندرج تحته من الأحكام ما لا يأتي عليه الحصر وما أصرحه وأدله على إبطال ما فعله الفقهاء من تقسيم [1] الاعتصام (1/ 141 – 142).
(2) جامع العلوم والحكم: ص/266. [3] المصدر السابق: ص/ 59.
(4) الفتح: 13/ 254.