نام کتاب : ما قاله الملاحدة.. ولم يسجله التاريخ نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 124
لأحدثكم عن أفكاري التي وضعتني في هذه
الصحراء القاحلة التي لا يوجد فيها إلا السراب.
وحق لي ألا أرى إلا السراب، فقد كنت
مستكبرا مغرورا معرضا عن كل أولئك الذين دعوني لأشرب عذب مائهم، وأرتوي من بحار
حقائقهم.. لكني تركتهم ورحت ألهث وراء السراب الذي دعاني إليه الشيطان الذي أحببته
من كل قلبي، ورحت أدعو الكل إلى حبه.. لسبب بسيط، وهو أنه تمرد على سلطة الله،
وتحققت له بذلك الحرية..
لعلكم تذكرون ما قلت عنه في كتابي [الله
والدولة] .. أما أنا فلا أزال أذكره وأتعذب به، فقد قلت: (هنا نترقي بالشيطان
المتمرد الأبدي، أول مُفكر حُر ومُحرر للعوالم.. من يجعل الإنسان يخجل من رضوخه
وبهيميته الجاهلة، لقد أعتقه ووسمه بوسم الحرية والإنسانية بحثه على العصيان وأكل
فاكهة المعرفة)[1]
وكانت كل دعواتي إلى إزالة الله من قاموس
الحياة، حتى تتاح لنا الحرية المطلقة، وحتى لا يتحكم فينا أحد.. لقد صحت في أولئك
المتدينين أو الفلاسفة المثاليين: (أنا أعكس عبارة فولتير، فأقول: إن كان الله
موجودا فعلاً، فسيكون من الضروري نَفيه).. وكنت أصيح فيهم: (زعيم في الجنة أفضل
ذريعة لزعيم على الأرض؛ لذلك إن كان الله قد وجد، سيكون عليه أن يُلغى)
هكذا بكل تبجح وكبرياء كنت أتحدث عن
الله.. وكنت أشعر أنني حققت حريتي الكاملة برفضه.. لأن سلطته قد رفعت عني، ولم يبق
لي إلا نفسي التي بين جنبي.. والتي تركت لها الحرية في أن تقول ما تشاء، وتفعل ما
تشاء، وتحكم بما تشاء.
لقد عبرت عن ذلك، فقلت: (تتألف حرية الإنسان
من مُجرد التالي: أن يُطيع قوانين الطبيعة لأنه أدركها بنفسه على هذا النحو، وليس
لأنها فُرضت عليه بواسطة سلطة خارجية،