نام کتاب : ما قاله الملاحدة.. ولم يسجله التاريخ نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 197
أنه لو فرضنا كون الشر مقصودا لذاته،
وأنه من عمل الإله، فإن ذلك لا ينفي وجوده، فـ (من الممكن جدًا أن يكون موجودًا،
لكنه شرير، هو خلق البشر، ومن حقه أن يعذّبهم)[1] .. ونحن نرى الملوك
الظلمة، والطغاة المستبدين.. فهل ينفي طغيانهم حقيقة وجودهم؟
هذا على التسليم الجدلي الذي يمكن لأي
عاقل أن يصل إليه.. فالشر لا يعني العدم.. بل الشر يعني أنه ليس شيئا جميلا..
ولكنه ليس شيئا معدوما .. بدليل أننا نرى أشياء كثيرة شريرة، فهل ذلك ينفي وجودها.
وبهذا فإن هذه التي سميناها معضلة تقضي
على نفسها بنفسها.. فكيف تثبت وجود الشر، ثم تنفي وجود صانع له بحجة أنه لا يمكن
أن يكون الصانع شريرا.
هذا على التفكير المبدئي البسيط الذي
يتناسب مع العقل الملحد الكسول.. أما على التفكير المتأني الراقي.. فإننا نجد أن
الأصل في كل شيء هو الخير، وأن الشر غير موجود إطلاقًا، غير أنه يتخلل الخير،
كشذرات أو استثناءات.
فالأصل في كل شيء هو الصحة، وأما المرض
فيدخل عليها، ولا يلبث ـ عادة ـ أن يذهب ثانية، وترجع الصحة مرة أخرى. والأصل في المطر أنه خير، ولكن يتخلل هذا الخير
استثناءات، فيصير المطر سيولًا تدمّر الطرق والبيوت، لكن هذا مجرد استثناء.. والأصل
في الحياة أنها سلام، ولكن يشوب هذا السلام استثناءات؛ فتحدث حروب ونزاعات تدمر
القرى والبلاد، لكن هذا مجرد استثناء.. والأصل في الجو الاعتدال، وأما العواصف، أو
موجات البرد والحر، فتحدث خلال فترات قليلة من السنة، ويظل الجو معتدلًا باقي
السنة.. والأصل في البراكين أنها تنفجر في المحيطات أو بعيدًا عن البشر، لكن تحدث
استثناءات، فتنفجر بجانب قرية ما.