نام کتاب : ما قاله الملاحدة.. ولم يسجله التاريخ نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 38
هو جهله بالطبيعة.. إن إصراره على
التمسك بالآراء الخاطئة العمياء التي تلقنها في طفولته .. وما نتج عن ذلك من تحيز
وهوى ظللا عقله وأفسدا ذهنه .. يبدو أنهما قضيا عليه بالاستمرار على الخطأ .. أنه
يستمد أسلوب تفكيره من الآخرين تحت مسئوليتهم، ثقة منه بهم، وهم أنفسهم مخطئون، أو
أن لهم مصلحة في تظليله وخداعه. ولإزالة هذه الغشاوة وإخراجه من هذه المتاهة فإن
الأمر يتطلب يداً حانية وحباً شديداً.. كما يقتضي أعظم الشجاعة التي لا يعتريها
خوف ولا وجل وتصميماً أكيداً لا يكل ولا يمل.. ومن ثم يكون أهم واجب علينا أن نفتش
عن الوسائل التي نقضي بها على الأوهام التي تظللنا وتخدعنا)[1]
لاشك أن هذا كلام صحيح.. وهو يدعو إلى
إعمال العقل، ونبذ التقليد، والشجاعة في مواجهة التقاليد البالية، والأفكار
الخرافية.. لكن الحكمة التي دعوت إليها لم أنفذها، بل رحت أستأصل بحقد شديد شجرة
المسيحية بجذورها وأغصانها وثمارها.. وكل ما يرتبط بها.. وبذلك تغلب الحقد على
العقل، ومنعه من الرؤية البصيرة للحقيقة.
لذلك ما إن أقنعت القارئ بالرجوع
للعقل، ونبذ الدين حتى رحت أبشره بأفكاري الممتلئة بالمادية والإلحاد.. لقد عبر عن
ذلك مؤرخ الحضارة الكبير [ويليام جيمس ديورَانت]، فقال عني: (بعد أن انتهى دي
هولباخ من بيان برنامجه على هذه النحو تقدم في ترتيب ونظام ليفند كل الكائنات
والاعتبارات والأفكار الخارقة للطبيعة. ويحبذ الطبيعة بكل ما فيها من جمال وقسوة
وتقييد وإمكانات، وليختزل كل الحقيقة والواقع إلى مادة وحركة، ويبني على هذا
الأساس المادي منهجاً للفضيلة والأخلاق يأمل أن يكون في مقدوره أن يحول المتوحشين إلى
مواطنين، ويشكل الخلق الفردي والنظام الاجتماعي ويضفي سعادة معقولة على حياة مقرر
لها الموت المحتوم. إنه يبدأ ويختتم بالطبيعة، ولكنه ينكر أية