واسمع لهاتين
الآيتين كيف ربطت أولاهما بين خلق السموات والأرض بالحق، وبين عدم الظلم، وكيف
ربطت الآية التالية بين عدم خلقها باطلاً وبين مساواة المحسنين بالمسيئين: ﴿وَمَا
خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ
الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) أَمْ
نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي
الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾ [ص: 27، 28]
سكت قليلا، ثم قال: إن الآخرة ضرورة
خُلُقية، ولو شئت لقلت ضرورة عقلية؛ لأن المبادئ الخُلُقية، هي من بين الموازين التي فطر الله عليها العقول لقياس الأمور وتقويمها، فالذي يتنافى مع الأخلاق يتنافى مع هذا العقل الفطري.
قلت: فكيف تخاطب من لا يؤمن إلا بما تقوله العلوم المادية؟
قال: العلوم المادية البحتة لا تتنافى مع الله، ولا مع اليوم الآخر، بل
هي تدل عليهما.. والمشكلة ليست فيها، وإنما في توجيهها وفلسفتها.. ولذلك فإن الذي
يتصور الحياة محصورة في تلك القوانين المادية، ويلغي الروح والقيم المرتبطة بها
يسيء إلى تلك العلوم لأنه يحملها فوق ما تحتمل، ذلك أنه لا مكان في الفيزياء ولا في غيرها من العلوم الطبيعية للقيم الخٌلٌقية، أو الجمالية أو غيرها من القيم؛ ذلك لأن مجال هذه
العلوم إنما هو الكائنات الطبيعية، لكن الناس لا يكفيهم
في حياتهم علمهم بالطبيعة مهما ازداد وعظم؛ إنهم يحتاجون
مع هذا إلى قيم يهتدون بها في معاملاتهم، فإذا حلَّت
العلوم الطبيعية محل الدين كما يريد لها الملحدين في عصرنا، وإذا حُصر الحق فيما يأتي عن طريق هذه العلوم؛ فأنى يجد الناس تلك الهداية التي هي من ضرورات حياتهم؟
سكت قليلا، ثم قال: إن كثيراً من ملاحدة
العلماءالطبيعيين يعترفون بهذه المشكلة
نام کتاب : الهاربون من جحيم الإلحاد نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 365