وهكذا نجد
الفصول الكثيرة في هذا الكتاب وغيره تعقد لبيان فضل أهل الحديث، وفضل الرواية، هي
التي يتعلق بها السلفية في بيان فضلهم على سائر الأمة، واعتبار الحق المطلق معهم،
والباطل المطلق مع مخالفيهم.
وهي السبب
كذلك في تلك الكبرياء التي يمارسها العقل السلفي عندما يحتك مع غيره من العقول، أو
يتحاور معها، فهو يتحاور من برجه العاجي الذي بناه له سلفه ممن لقبوا أنفسهم بأهل
الحديث.
ونحن لا ننكر
ما يذكرونه عن أنفسهم من الجهد والرحلة والحفظ وتلك المعاناة الطويلة في جمع
الأسانيد والمتون وحشو الكتب والمصنفات بها.
ولا ننكر
عليهم صدقهم وإخلاصهم، والذي قد لا يخدش فيه كونه مشوبا أحيانا بحب تلك المكانة
الرفيعة وذلك الجاه العريض الذي توليه السلطات بمختلف أصنافها للمحدثين، بالإضافة
لتلك المحابر الكثيرة التي تجتمع لديهم، ويجتمع معها كثير من الحظوظ التي يعجلها
الله لهم في الدنيا قبل الآخرة.
ولكننا ننكر
عليهم ذلك التعالي وتلك الكبرياء، التي جعلتهم يلغون الأمة جميعا بمختلف علمائها
وطوائفها، كما أشار السمعاني ( ت 489 ھ ) ـ وهو
من أعلامهم الكبار ـ في كتابه [الانتصار لأصحاب الحديث] إلى ذلك، فقال: (فإن قال
قائل: إنكم سميتم أنفسكم أهل السنة، وما نراكم في ذلك إلا مدعين، لأنا وجدنا كل
فرقة من الفرق تنتحل اتباع السنة وتنسب من خالفها إلى الهوى، وليس على أصحابكم
منها سمة وعلامة أنهم أهلها دون من خالفها من سائر الفرق فكلها في انتحال هذا
اللقب شركاء متكافئون،