وهم يرون أن الصفات السلبية إنما تكون كمالاً إذا
تضمنت أموراً وجودية، (فلا يوصف الرب من الأمور السلبية إلا بما
يتضمن أموراً وجودية، وإلا فالعدم المحض لا كمال فيه، فينبغي
أن يعلم أن النفي ليس فيه مدح ولا كمال إلا إذا تضمن إثباتاً، وإلا فمجرد النفي
ليس فيه مدح ولا كمال، والعدم المحض ليس بشييء، وما ليس بشييء
فهو كما قيل ليس بشييء فضلا عن أن يكون مدحاً وكمالاً، لأن
النفي المحض يوصف به المعدوم والممتنع؛ والمعدوم والممتنع لا يوصف بمدح ولا كمال)[2]
بل إنهم يرون
أن في اهتمام المنزهة بالتنزيه، وسلب ما لا يليق بالله سوء أدب مع الله، ذلك أن (النفي المجرد مع كونه لا مدح فيه، فيه
إساءة أدب مع الله سبحانه، فإنك لو قلت لسلطان: أنت لست بزبال ولا كسَّاح ولا حجام
ولا حائك لأدبك على هذا الوصف وإن كنت صادقاً، وإنما
تكون مادحاً إذا أجملت النفي فقلت: أنت لست مثل أحد من رعيتك، أنت أعلى منهم وأشرف
وأجل، فإن أجملت في النفي أجملت في الأدب)[3]
ولهذا فإنهم
يذمون المنزهة حين (يأتون
بالنفي المفصل والإثبات المجمل فيقولون: ليس بجسم ولا شبح ولا جثة ولا صورة ولا
لحم ولا دم ولا شخص ولا جوهر ولا عرض إلى آخر تلك السلوب الكثيرة التي تمجها
الأسماع وتأنف من ذكرها النفوس والتي تتنافى مع تقدير الله تعالى حق قدره)[4]