ومما يمكن
اعتباره من الأسباب ذلك الإقبال الشعبي على المحدث، وخاصة بعد عودته من رحلته
الطويلة، حيث يجلس بين يديه مئات التلاميذ أو آلافهم، ليروي لهم كان قد حصله في
رحلته الطويلة.
وقد ذكر
الحافظ العراقي (المتوفى 806 هـ )، تلك المجالس، فقال في مقدمة كتابه (الأربعين
العشارية): (كان اتصال هذه الشريعة المطهرة بالأسانيد مما خصَّ الله به هذه الأمة
بفضله، ولقد كانت مجالس الحديث غامرةً بأهله، حتى وُسِّد الأمرُ إلى غير أهله،
فانقطعت مجالس الإملاء لتقاعد الهمم عنها، ورغبة الطالبين عن عقد ذلك وحله..)
وقد ورد في
ترجمة أبي مروان عبدالملك بن زيادة الله التميمي الطبْني (توفي في 457 هـ)، وكان من
أهل (قُرطبة)، أنه كانت له رحلتان إلى المشرق كتب فيهما عن جماعة من أهل العلم، ثم
لَمَّا رجع إلى قرطبة أملى فاجتمع إليه في مجلس الإملاء خَلْقٌ كثير، فلما رأى
كثرتهم أنشد:
إني إذا احتوشتني ألف محبرة يكتبن حدثني طورا
وأخبرني
نادت بعقوتي الأقلام معلنة هذي المفاخر لا قعبان
من لبن
لكن المسكين
قتل بعد ذلك في داره، ولسنا ندري هل كان لتلك المحابر دور في ذلك أم لا [2].
وورد في
ترجمة أبي مسلم الكجي، البصري، الحافظ المسند (توفي 292 هـ) عن أحمد بن جعفر، قال:
لَمَّا قدم علينا أبو مسلم الكجي أملى الحديث في رحبة