نام کتاب : شيخ الإسلام في قفص الاتهام نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 25
وقال: سمعت
في البلاد بصبي يقال له: أحمد بن تيمية، وأنه سريع الحفظ، وقد جئت قاصداً، لعلي
أراه، فقال له خياط: هذه طريق كتّابه، وهو إلى الآن ما جاء. فاقعد عندنا، الساعة
يجيء يعبر علينا ذاهباً إلى الكتّاب.. فجلس الشيخ الحلبي قليلاً، فمر صبيان، فقال
الخياط: هذاك الصبي الذي معه اللوح الكبير: هو أحمد بن تيمية. فناداه الشيخ. فجاء
إليه.. فتناول الشيخ اللوح منه، فنظر فيه ثم قال له: امسح يا ولدي هذا، حتى أملي
عليك شيئاً تكتبه، ففعل، فأملى عليه من متون الأحاديث أحد عشر، أو ثلاثة عشر
حديثاً، وقال له: اقرأ هذا، فلم يزد على أن تأمله مرة بعد كتابته إياه. ثم دفعه
إليه، وقال: اسمعه عليّ، فقرأه عليه عرضا كأحسن ما أنت سامع. فقال له: يا ولدي،
امسح هذا، ففعل. فأملى عليه عدة أسانيد انتخبها، ثم قال: اقرأ هذا، فنظر فيه، كما
فعل أول مرة. ثم أسمعه إياه كالأول. فقام الشيخ وهو يقول: إن عاش الصبي ليكونن له
شأن عظيم. فإن هذا لم يُرَ مثله.
أرأيتم كيف صار ابن تيمية مضرب المثل عند أصدقائه
وأعدائه[1]، واعترف الكل له
بأنه أحفظ من رأوا، وعدوه من الأئمة الكبار في الحفظ، وليس حفظاً فقط بل حفظاً
بفهم، فكان يسابق حفظه نظره، وكان يعطى الكتاب في صغره فيقرؤه مرة فينتفش في ذهنه،
وذكر عن نفسه أنه يقرأ المجلد – بحمد الله – فيرسخ في ذهنه، وبذلك حفظ كتاب الله عز وجل، وحفظ السنة المطهرة، وحفظ
أقوال أهل العلم، وحفظ الآثار، وحفظ التفاسير، وحفظ شواهد اللغة، فكان إذا تكلم
أغلق عينيه فسالت قريحته بنهر يتدفق من العلم النافع المبارك حتى قال فيه بعض
الشعراء:
وقاد ذهن إذا
سالت قريحته يكاد يخشى عليه من تلهبه!
وقد نفع الله
بهذا الحفظ؛ فقد تركت ذاكرته القوية المباركة للأمة ميراثاً مباركاً من