تعايش
المذاهب والطوائف والأديان، واستفادتها بعضها من بعض، وحوارها بعضها مع بعض، ومع
ذلك بقي لكل مذهب ودين وطائفة خصوصياته.
بل إن الواقع
يثبت أن تحصيل الكمال مرتبط بالقدرة على التعامل مع المتناقضات والاستفادة منها
جميعا.. وقد قال أبو حامد الغزالي يحدث عن نفسه: (ولم أزل في عنفوان شبابي - منذ
راهقت البلوغ، قبل بلوغ العشرين إلى الآن، وقد أناف السن على الخمسين - أقتحم لجة
هذا البحر العميق، وأخوض غمرته خوض الجسور، لا خوض الجبان الحذور، وأتوغل في كل
مظلمة، وأتهجّم على كل مشكلة، وأتقحم كل ورطة، وأتفحص عن عقيدة كل فرقة، وأستكشف
أسرار مذهب كل طائفة، لأميز بين محق ومبطل، ومتسنن ومبتدع، لا أغادر باطنياً إلا
وأحب أن أطلع على باطنيته، ولا ظاهرياً إلا وأريد أن أعلم حاصل ظاهريته، ولا
فلسفياً إلا وأقصد الوقوف على كنه فلسفته، ولا متكلماً إلا وأجتهد في الإطلاع على
غاية كلامه ومجادلته ولا صوفياً إلا وأحرص على العثور على سر صفوته، ولا متعبداً
إلا وأترصد ما يرجع إليه حاصل عبادته، ولا زنديقاً معطلاً إلا وأتحسس وراءه للتنبه
لأسباب جرأته في تعطيله وزندقته)[1]
وبهذا
الانفتاح الممتلئ بالجرأة والثقة استطاع أبو حامد الغزالي أن يدخل إلى عوالم كثيرة
لم يكن ليستطيع الدخول إليها لو عاش منغلقا على نفسه وعلى مذهبه وطائفته..
ولهذا نرى
كتبه تترجم للغات العالمية، ويستفيد منها أصحاب الديانات المختلفة..
وهكذا استطاع
وهو الفقيه الشافعي أن يقتحم التراث العرفاني الشيعي، فقد قام