وليت ابن تيمية ومن تبعه من العلماء
استعملوا هذا الورع في تعاملهم مع الفرق المختلفة.. لكن المكاييل المزدوجة هي
المسيطرة على أمثال هذه العقول، فهي تميل لكل مجسم مشبه ينقل من تراث الأمم
المختلفة.. وهي أبعد عن كل منزه موحد يحرم الأخذ بغير ما ورد في النصوص المعصومة.
هذان موقفان من رجلين لا شك في كون
بدعتهما عظيمة وخطيرة على الدين، وقد أضافا إليها الكذب، ومع ذلك نجد ذلك التسامح
واللين والرحمة في قبول أقوالهما في مصادر الدين الكبرى، وقد عومل مثلهما ومن لا
يقل عنهما ككعب الأحبار ووهب بن منبه وغيرهما كثير بنفس تلك المعاملة الممتلئة
بالتسامح واللطف واللين..
ولهذا نجد للكثير من أمثال هؤلاء حضورا
قويا عند تعداد الأقوال في التفسير والحديث والفقه والتوحيد وغيرها من العلوم
الشرعية، حتى أصبحت أسماؤهم مألوفة لا ينفر منها القارئ، بل لعله يتبرك بها.
لكن هذه الرحمة، وذلك التسامح يتحول إلى
ضده إذا ذكر الرأي الشيعي، حتى لو كان القائل به إماما كبيرا كجعفر الصادق، أو
محمد الباقر، بل حتى لو كان القائل به الإمام علي بن أبي طالب نفسه.. فإذا قيل في
مسألة من المسائل: إن للشيعة رأي مخالف فيها.. تجهمت الوجوه، وعبست، وقطبت جبينها،
وكأنه لم تذكر طائفة من المسلمين، وإنما ذكر الشيطان نفسه.. وهذا ظلم عجيب.
وقد أشار إلى هذا الظلم، وإلى هذه
المكاييل المزدوجة الفقيه الكبير الشريف المرتضى، والذي على أساسه ألف كتابه
العظيم (الانتصار)، والذي قال في مقدمته عند بيان هدفه من تأليفه: (إن الشناعة
إنما تجب في المذهب الذي لا دليل عليه يعضده، ولا حجة لقائله فيه، فإن الباطل هو
العاري من الحجج والبينات، البرى من الدلالات، فأما ما عليه دليل يعضده وحجة تعمده
فهو الحق اليقين، ولا يضره الخلاف فيه وقلة عدد