وجلاله.. ويرونه كثيرا في الرؤى.. وبعضهم
يذكر ـ لشدة محبته وشوقه ـ أنه يراه في اليقظة.
وذلك غير مستغرب لمن يفهم الفرق بين
الفكرة والعقيدة.. فصاحب العقيدة يعيش العجائب، ويرى العجائب، وقد قال أبو حامد
الغزالي لبعض تلاميذه الذين تعجبوا من بعض ما ذكره في كتبه: (بالله إن تسر ترى
العجائب)
فسلطان العقيدة لا يكتفي بالذهن المجرد،
بل يتحول إلى كل الكيان، فيملأه ثقة وحضورا وأشواقا مع القضية العقدية، ولهذا ورد
في الحديث الذي اتفقت على روايته الأمة بفرقها أن النبي a لقي رجلاً يقال له حارثة في بعض سكك
المدينة فقال: (كيف أصبحت يا حارثة؟)، قال: أصبحت مؤمناً حقاً، قال: (إن
لكل إيمان حقيقة فما حقيقة إيمانك؟) قال: عزفت نفسي عن الدنيا فأظمأت نهاري
وأسهرت ليلي وكأني بعرش ربي بارزاً وكأني بأهل الجنة في الجنة يتنعمون فيها وكأني
بأهل النار في النار يعذبون. فقال النبي a: (أصبت فالزم مؤمن نور الله قلبه)[1]
ومثله حديث حنظلة الذي جاء للنبي a، وقال له: نافق حنظلة يا رسول الله،
فقال رسول الله a: (وما ذاك؟)، قال: يا رسول
الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك
عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيراً، فقال له رسول الله a: (والذي نفسي بيده؛ إن لو تدومون على ما
تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم، وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة
ساعة وساعة)[2]
فالحديث يشير إلى هذا البعد الذي ينكره
الكثير على الصوفية، ويسخرون منهم بسببه، والمشكلة أن الذي يعتقد هذا، ويقر به، بل
يقر بما هو أكثر منه رجل فيلسوف