﴿ قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا
أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [سبأ: 25]، أن صاحب
العقيدة في تعامله مع المخالف، أو في حواره معه، لا يطرح عقيدته كعقيدة، ويتعصب
لها، وإنما يطرحها كفكرة يمكن أن تناقش، فلهذا تأثيره الكبير في الطرح العلمي
والموضوعي للقضية والانتصار لها، بخلاف الذي يطرح أفكاره، ومعها روائح التعصب لها،
فالبشر في العادة ينفرون من التعصب، وينفرون ممن يريد أن يكرههم على شيء من غير
المنهج الصحيح.
وهذا المعنى هو الذي ييشير إليه قوله
تعالى في بيان منهج الدعوة: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ
وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ
هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾
[النحل: 125]
وهو الذي يشير إليه سلوك رسول الله aفي دعوته لهذه الأمة، والذي أثنى عليه قوله
تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا
غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ
لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران: 159]
فليس من السهل لشخص ممتلئ بالمادية أن
تقنعه بحياة رسول الله a،
أو بحياة غيره.. فلذلك تحتاج الى طرح القضية له كفكرة، وليس كعقيدة.
ومن هذا الباب كان عتابي لبعض إخواني من
الصوفية أو من الشيعة على تلك الطروحات التي لا تراعي قدرات الناس، ولا المراحل
الفكرية التي يمرون بها.. ولو أنهم طرحوا أفكارهم بهدوء ورحمة وموضوعية لكانت أكثر
قبولا، وأبعد عن اللجاج والخصومة.. فلا خير في اللجاج والخصومة.