نظر الشيخ
إليهم، وقال: بورك في ذاكرتكم القوية.. لاشك أنكم تستطيعون بها أن تأكلوا الفالوذج
بين يدي الملوك والأمراء.. فإياكم أن يسلبوا منكم دينكم الذي هو رأس مالكم.. إياكم
أن تصبحوا متاريس لكل طاغية ظالم.. إياكم أن تصبحوا خدما لكل جبار مستكبر..
بقي يردد
ذلك.. ويضرب بكفيه على ركبتيه إلى أن سمعت ابنته صوته، فصاحت فينا من وراء حجاب تطلب
منا أن نخرج.. فخرجنا ولم نكن ندري حينها ما يعني بقوله وفعله ذلك.
لكني وبعد
عقود من السنين أدركت عظمة كل كلمة قالها، وكل حركة تحرك بها، وأدركت حينها أن الله
تعالى كما رحم خلقه برسله وأنبيائه، فقد رحمهم أيضا بأوليائه الذين لا يخلو منهم
زمان ولا مكان لينصحوا عباده، ويقيموا الحجة عليهم.
بعد أن تفرقت
بنا السبل.. وبعد أن صار حالي إلى ما ذكرته لكم من الوظيفة البسيطة، والمرتب
الزهيد.. وصار حالهم إلى ذلك الحال الذي صرت أعير به، ويشمت بي بذكره..
وبعد مدة
ليست طويلة بدأت السحب تنقشع عن كل كلمة قالها الشيخ..
في البداية
كلف أولئك الزملاء العلماء من طرف بعض الوزراء والأمراء للذهاب إلى إفريقيا، ونشر
التوحيد بين أهلها المسلمين أصلا.. فذهبوا، وبصحبتهم مال كثير.. وهناك راحوا
يحذرون من كل الطرق الصوفية التي كانت سبب دخول الناس في الإسلام..
ثم أسسوا بعض
المعاهد، وجمعوا لها الطلبة من كل مكان، وشحنوهم بكل ألوان الحقد والكراهية..
ولم يكتفوا
بذلك، بل راحوا يؤسسون الجمعيات والحركات، ويغدقون عليها من