قلنا: فنحن
مستعدون لأي شيء تطلبه منا.. المهم أن تعطينا إياه.. ولو إعارة.
قال: هذا
المخطوط لا يعار لأحد.. هذا المخطوط لا يعطي أسراره إلا لمن ملكه.
قلنا: لم
نفهم.. ما الذي تقصد؟
قال: هذا
المخطوط يحتاج لعيون خاصة تقرؤه.. وقلوب خاصة تعيه.. وآذان خاصة تسمعه.. ولطائف
خاصة تشعر به.
بهت صاحبي
صاحب الذوق الرفيع لهذا الكلام، وتأثر به تأثرا شديدا، وصاح: أجل.. هذا ما أبحث
عنه.. هل أجده عندك؟
أما صاحبي
المشغوف بعالم الأوراق، فأخذ بيدي، وقال: هيا بنا.. لا شك أن هذا الرجل مجنون من
المجانين.. فمثل هذه الزوايا الخربة لا يوجد فيها إلا المجانين.
قلت له: دعنا
قليلا نسمع ما يريد قوله.. فلعل له شأنا.
أخذ الشيخ
بيد زميلي صاحب الذوق الرفيع، وقال: جاهل من قرأ جميع كتب الدنيا، ولم يقرأ
كتابه.. وضال من اهتدى إلى كل مكتبات الدنيا، ولم يهتد لتلك المكتبة العظيمة التي
زرعها الله في قلبه.. وأعشى البصيرة من أبصر كل شيء، ولم يبصره.
أصابت صاحبي
صاحب الذوق الرفيع دهشة لهذا الكلام، وقال: أعده علي.. لكأني سمعته من قبل..
قال الشيخ:
هذا الكلام لا يكرر ولا يعاد.. لأنه إن سمعته أذناك وحدهما لم يفدهما.. وإن سمعه
قلبك، فقلبك أعظم جهاز تسجيل في الدنيا، وهو لن يحتاج إلى تكرار.. بل لن يحتاج إلى
حروف وأصوات.
قال صاحبي:
بلى.. لقد سمعته بقلبي.. أنت الآن تتحدث عن خزائن الأسرار التي أودعها الله في
حقائقنا منذ الأزل.. منذ سمعنا ذلك النداء الجليل: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾
[الأعراف: 172]