قال الشيخ:
عجبا لمن سمع ذلك النداء الجليل كيف يتيه عنه.. ثم كيف يبحث عن الدليل، وقد سمع
صاحب الدليل.. ورآه بقلبه.. وعشقه قبل أن يكون كل شيء.
قال صاحبي:
أجل.. لكن الغفلة والتيه ملآنا بالحجب..
قال الشيخ:
لقد قال لي شيخي أول صحبتي له، وقد رآني مشغولا بأوراق كثيرة أريد من خلالها أن
أتعرف على الله.. لكني لم أزدد منه إلا بعدا: (يا أبا الحسن حدّد بصر الإيمان تجد
اللّه في كل شيء وعند كل شيء ومع كل شيء وقبل كل شيء وبعد كل شيء وفوق كل
شيء وتحت كل شيء وقريبا من كل شيء ومحيطا بكل شيء.. بقرب هو وصفه وبحيطة هي
نعته، وعدّ عن الظرفية والحدود وعن الأماكن والجهات، وعن الصحبة والقرب بالمسافات،
وعن الدور بالمخلوقات، وامحق الكل بوصفه: الأول والآخر والظاهر والباطن وهو هو هو،
كان اللّه ولا شيء معه، وهو الآن على ما عليه كان)[1]
ثم التفت لي
ولصاحبي، وقال: اعذراني.. فقد انشغلت بصاحبكما عنكما..
قلت: لا
عليك.. لكن ليتك لو شرحت لنا ما تقصد.
قال: القلوب
التي تفقه الأسرار لا تحتاج لمن يشرح لها.. والتي لا تفقه الأسرار لا يمكن أن تفهم
ما لا يمكن شرحه.
غضب صاحبي المشغوف
بالأوراق، وقال: دعنا منك أيها الشيخ الخرف.. هل تعرف مع من تتحدث.. أنا أعرف خمس
لغات.. وقد قرأت مئات المجلدات.. وأتقنت ـ وأنا لا أزال شابا يافعا ـ الكثير من
العلوم.. ثم تزعم أنك تفهم ما لا أفهم، أو تعرف ما لا أعرف.
[1]
الكلام الوارد هنا للشيخ عبد السلام بن مشيش لتلميذه أبي الحسن الشاذلي..